في الطائرة، نشب خلاف طريف بين رجل “شايب” ومضيف الطائرة، المسن يتشبث بعصاه التي يحملها في حله وترحاله، وفي كل الظروف حتى ولو كان على متن طائرة، والمضيف يحاول سحبها منه وإقناعه بإيداعها في مكان تخزين الأمتعة، حفاظا على سلامته وسلامة الآخرين، والمسن متشبث بها والمضيف يرجوه، أن يتركها لتوضع في المكان المخصص مؤكداً، ومتعهداً أن يعيدها له قبل نهاية الرحلة، والمسن يصر على بقائها في حوزته، لأنها جزء من هويته وتراثه، هذه واحدة. أما الثانية، فعندما وصلنا إلى تلك البلاد البعيدة والغريبة، وجدت بعض النسوة المواطنات يتسوقن وهن يرتدين بفخر زيهن الوطني، ويتمسكن بالبرقع المحلي، جعلني ذلك أشعر بأنني في البلاد ولست في الغربة، وأن ذلك الشارع، الذي يعرف باسم شارع العرب، كأنه احد اسواقنا التقليدية قبل 20 عاماً، أو يزيد، عندما كانت كثير من المواطنات، لازلن يتمسكن بالزي التقليدي. جعلني الأمر أفكر في مستقبل زينا الشعبي، أو الوطني وفي مستقبل تلك الرموز التراثية، التي يعكس تمسكنا بها، مدى تمسكنا بثقافتنا الأصيلة وبتراث آبائنا وأجدادنا، وبعدم تأثرنا بالعولمة وبالعصرية، رغم ما وصلنا إليه من تقدم وحضارة، فلا نتخلى عن هويتنا، وعمّن نكون، ومن أين أتينا. شعرت بخشية من أن يختفي البرقع، من على وجوه المواطنات بعد بضعة سنين خصوصاً مع دخول ملابس دخيلة علينا، من دول مجاورة، استسهل الناس ارتدائها، أو تفضيلها على ملابسنا التقليدية، أو حتى اختفاء الغترة والعقال، من على رؤوس شبابنا من الأجيال الجديدة، وأن تنحصر تلك الرموز، لتصبح مجرد رموزا تراثية، يتم ارتداؤها في المناسبات الوطنية فقط، أو أن تتحول إلى متاحف وقرى التراث لتعرض على السياح، أو يتم تحويلها، لمجرد نماذج مصغرة تباع بثمن بخس في محال التذكارات، على أساس أنها كانت ذات يوم، جزءً من تراثنا المندثر لا سمح الله. عندما تغادر، بعد عمر طويل، تلك الأجيال التي لا تزال متمسكة بتلك الرموز، وتأتي من بعدهم أجيال جديدة بذاكرة جمعية جديدة، ربما لم تر البرقع مثلا إلا في الصور، أو على وجه الجدة في أحسن الظروف. فكرت وعصرت ذهني، بحثاً عن حل أطرحه لمعالجة مخاوفي، وربما يكون لدى المختصين بهذا الشأن، ولم أجد غير الدعاء بطول العمر وبالصحة والعافية، لأمهاتنا وشوابنا، لتمسكهم بتلك الرموز التقليدية، وبالتراث. وبكونهم المنبع الذي لا يزال يمد الأجيال الجديدة، بعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا المحلية. bewaice@gmail.com