تجدد الحديث مؤخراً حول الدور السلبي للحافلات الصغيرة في حركة النقل على مستوى البلاد، في أعقاب الدعوات الأخيرة لهيئة الطرق والمواصلات بدبي، لسحب هذه النوعية من الحافلات من خدمة نقل طلاب المدارس، وتقنين وجودها على الشوارع إجمالاً، مع تزايد ضحاياها في الحوادث التي تكون طرفاً فيها. وكانت وزارة الداخلية قد وضعت اشتراطات مشددة لهذه النوعية من وسيلة النقل، وحددت لها مواصفات جديدة في مقدمتها خفض سعتها من الركاب. كما دعت شرطة دبي لوقف استخدام الحافلات الصغيرة في نقل طلاب المدارس لما تمثله من خطورة مباشرة عليهم. وانبرى فريق من أولياء أمور الطلاب مدافعاً عن وسيلة النقل هذه، معتبراً إياها الأسرع والأكفاء والأقل كلفة لهم، معتبرا أن الخلل ليس في المركبات، وإنما في نوعية من يتولى قيادتها، خاصة وأن شريحة كبيرة منهم يتصفون برعونة القيادة والاستهتار باللوائح والقوانين والأنظمة المرورية. وأعتقد بأن هذا جانباً يفترض أن يثير قلق الجميع، وفي مقدمتهم أولياء الأمور أنفسهم، الذين يفترض ألا يغريهم رخص التكلفة والسرعة - كما يقولون- لغض الطرف عن مسائل مهمة تتعلق بسلامة نقل فلذات أكبادهم. والواقع أن إدارات المرور في الدولة كانت كريمة وسخية في الترخيص للحافلات الصغيرة بالعمل، لتستيقظ اليوم على هذه الأعداد المهولة من الحافلات الصغيرة التي وجد أصحابها أنفسهم في شبه تعطل عن العمل، بسبب وجود فائض كبير في أعدادها، وأصبحت في أماكن كثيرة من مدننا تزاحم سيارات الأجرة وحافلات النقل العام التابعة لدوائر النقل لدينا. وإزاء هذا الوضع تفشت بصورة غير مسبوقة ظاهرة تهريب الركاب الذين يعرضون حياتهم للخطر لتوفير بضعة دراهم ودقائق. وخلال شهر واحد فقط على سبيل المثال حررت شرطة المرور في أبوظبي أكثر من640 مخالفة تهريب ركاب. ومن يذهب إلى الشوارع الخلفية لقلب العاصمة التجاري يرى بنفسه كيف تحولت لمواقف انتظار وتحميل للحافلات الصغيرة التي تنطلق بركابها نحو ضواحي المدينة ومناطقها الخارجية، في مشاهد وممارسات غير حضارية، ولا تتناسب والمظهر الحضاري والنظافة العامة التي تميز عاصمتنا الحبيبة. إن الطريقة الواقعية التي عالجت بها دوائر النقل لدينا قضية سيارات الأجرة، وارتقت معها بمستوى الخدمات المقدمة للجمهور، يجب استحضارها عند معالجة هذه القضية من جراء تضخم أعداد الحافلات الصغيرة بصورة مخيفة، يقف خلفها سائقون آسيويون يستغلون تراخيص مسنين ومتقاعدين. فالتنظيم مهم لكل الأطراف، وسيساعد على إعادة ترتيب وتوظيف هذه الوسيلة من النقل بصورة يمكن من خلالها سد الثغرات القانونية، وفي الوقت ذاته توفير خدماتها بصورة حضارية يلتزم أصحابها بمراعاة متطلبات السلامة والقيادة الآمنة، وفي الوقت ذاته مساعدتها على خطوط معينة وقطاعات محددة لتمثل إضافة مهمة ونوعية لقطاع النقل بالحافلات في الدولة، ويحقق الغاية الحضارية من إعادة تنظيمه، للتخفيف من الازدحام المروري وسلامة البيئة. ويفترض بوزارة الداخلية والهيئة الوطنية للمواصلات تصدر هذا الجهد، بحيث لا يقتصر الأمر على الدوائر المرورية وإدارات النقل المحلية. ومن دون هذا التحرك الشامل والمتكامل ستتواصل المعاناة والشكاوى من تدفق الحافلات الصغيرة وحوادثها على الطرق. علي العمودي | ali.alamodi@admedia.ae