«خلّصنا الدراسة»، وبدأ الصيف بإجازة تفصيلية، واسعة النطاق والأحداق والأشواق، والفراغ يفتح عيناً ويفغر فاهاً، ويفرد ذراعاً، والشباب في سن المراهقة، مغلولون بنوازع فطرية غريزية، تحتاج إلى ترصيف بأيد حانية ومشاعر لا تخب ولا تجب، والواجب الإنساني يفرض على أولياء الأمور أن يضعوا في الحسبان، هذه الطاقات المتدفقة كشلالات نهر عريق، وأن يوجهوا بلطف، وأن يلاحظوا بدقة، وأن يتابعوا بحرص، وأن يؤنبوا بضمير حي، وأن يقتربوا من الأبناء أكثر، وأن يضعوا أيديهم على الأخطاء بلا شطط ولا غلط، وأن يجادلوا بالحسنى، وأن يتعاونوا مع الأبناء بعقلية القرن الواحد والعشرين على اصطحابهم إلى بر الأمان والاطمئنان، وأن ينصحوا باتزان، وأن يفصحوا بحنان، وأن يغضوا الطرف عن خطأ ولا يبالغون في توجيه اللوم. على الآباء في هذا الوقت بالذات، أن يطفئوا حريق مرحلة المراهقة، بأساليب حضارية واعية، لا تحبط ولا تدع الوعاء يفيض باللغط، عليهم أن يعرفوا أن هذه المرحلة من العمر لها متطلباتها وصفاتها، وتطلعاتها واندفاعاتها، وأحياناً تهورها وتضورها، فلا الغفلة ولا الاكتظاظ الوسواسي يفيدان، بل إن خير الأمور الوسط، لابد من وضع القواسم المشتركة مع من نبتت أعشاب الرجولة في وجوههم، وتمددت شعيرات اللحية والشوارب، وصار الواحد منهم ينظر إلى وجهه وكأنه يخاطب رجلاً غريباً، ثم يبتسم في المرآة ويقول: ها أنذا أصبحت كبيراً، وكبُرت معي خصائص الفطرة الجليلة. هؤلاء إذاً يحتاجون إلى من يفهمهم، وإلى من يقاسمهم همومهم، وهي كثيرة، ويعترف بمشاعرهم ويجيبهم إلى التفاؤل، ويبعدهم عن التشاؤم، ويحاورهم ويطرح معهم الأسئلة، ولا يمارس دور الفيلسوف الذي لا يخطئ ولا يزل. هؤلاء بحاجة إلى آباء بعقلية عصرية محبة، وتعرفه أن الحب لا يعني التساهل، أو تجاهل الأخطاء، كما أنه لا يعني فرض القيود الحديدية، التي تكاد تكون أصفاداً تغلل الأعناق، وتحرق الأشواق، وترفض الانعتاق من نار العصاب القهري، الذي يصيب بعض الآباء. هؤلاء يحتاجون إلى آباء يقللون من السهر مع الأصدقاء، ويقطفون من بستان وقتهم زهرات المرح، لأجل الأبناء، يجلسون معهم، يشاطرونهم الأسئلة، ولا يضعون الإجابات جاهزة، محفوظة في سقوف خفيضة. هؤلاء الأبناء يحتاجون إلى من يقول لهم: هذا الطريق أقل خطورة من ذاك، أما الثالث فهو الأسلم، ثم فتح دائرة الحوار بشفافية وحميمية، وقدرات فائقة على امتصاص شحنات الطاقة الانفعالية والعاطفية، المختزنة في ضمير هذه الفئة من أبنائنا. هؤلاء محتاجون إلى خبرات وتجارب من يعرف كيف يربط الجُمل الإنسانية ببعضها دون ركاكة في التصرف، ودون ارتفاع في ضغط الدم. Uae88999@gmail.com