فجأة وضع يده على عينيه، والتف جانباً وترك ظهره للمحال التي نمر عليها، ونحن في أحد المراكز التجارية، سألته عن السبب، فحاول التهرب عن الإجابة، ومع إلحاحي واستغرابي لتصرفه الذي عدل عنه بعد أمتار قليلة، قال: شيء عيب! استوقفتني الكلمة، وقلت باستغراب: عيب.. ما هو العيب؟!. عاد للتهرب من الإجابة من جديد، ومع ذلك زاد إصراري على معرفة سبب إغماض عينيه وهو يمشي، ولماذا التف وبدا كالذي يمشي على جنب؟ فأشار بيده إلى محل قد مررنا عليه، وقال هذه الأشياء العيب! أيضاً لم أستوعب مضمون كلامه وهو يقوله على استحياء وخجل لما شاهد من مشاهد، بعد أن أظهرت له أنني لم أرَ شيئاً مما رآه!
سحبني من يدي، وأرجعني لذاك المحل، فاستدار وأعطاه ظهره، ثم قال: “شوف هذه هي الأشياء مب عيب”!!، وكان المنظر فاضحاً تماماً، ومؤلماً ومحرجاً وسيئاً لطفل في الثامنة من عمره يشير إلى والده إلى ملابس داخليه نسائية عرضت بكل جرأة ووقاحة، لم تراعَ فيها مشاعر المتسوقين وخصوصيتنا، وعاداتنا وتقاليدنا، في مركز تجاري يرتاده الطفل والشاب والفتاة والرجل والمرأة، يمر كل يوم أمام هذه المشهد الفاضح آلاف المتسوقين وهم يجبرون على مشاهدة ملابس نسائية وضعت على مجسمات لفتيات، وأخرى معلقة، منها ما هو معلق بخيط وآخر بشريط، وثالث بمشبك، وغيرها من طرق العرض الخادشة للحياء العام.
وهنا أتساءل: كم من طفل مرّ أمام هذا المشهد واستنكره؟! وكم من أم مرت عليه واحمرّ وجهها حياء وحرقة وهي ترافق بناتها، وجميعهم يشاهدون كل تفاصيل أجساد الفتاة بكل دقة، مرتدية ملابس نوم وملابس داخلية وبحركات ومواضع فاضحة تخدش الحياء؟! كم من أب طاف عليها وحاول أن يلهي أولاده بحديث أو قصة ربما مكررة، فقط كي يداري سوأة عمل هذه المحال، ويشغل نفسه وأولاده من مشاهدة ما يخدش حياءهم؟! كم من فتيات مررن عليها وتصببن عرقاً من الخجل والإحراج من هذا المنظر المشين والمسيء لهن؟! كم من شاب مر على تلك المحال التي لم تراعِ آداب العرض ولا حرمة المتسوقين، وعمدت إلى خدش الحياء العام عنوة وفي وضح النهار واستثارته الصور الفاضحة والملابس الداخلية النسائية وصور المانيكان العارية، وهن بمواضع وحركات يندى لها الجبين تعرض على الملأ؟!
والسؤال: أين الجهات الرقابية المسؤولة عن تلك المناظر الخادشة للحياء العام؟ أين هي ممن يروج بضاعته بطرق يرفضها مجتمعنا، ولا يمكن أن يقبلها مهما بلغت المدنية والتحضر به من مبلغ، والتي لا نربطها بهذه المشاهد الخارجة عن الذوق العام مطلقاً، لماذا تظل تتساهل هذه الجهات مع مثل هؤلاء، وتغض النظر عن ممارسات لها أثر كبير جداً على مشاعر المجتمع، وتهدم ما نبنيه من قيم ومبادئ في نفوس أطفالنا؟ لما الصمت؟ لماذا لا تحرك صور العاريات ساكناً عند المسؤولين؟!


m.eisa@alittihad.ae