بلا أدنى شك أن العالم ينبهر بالمشروعات السياحية الراقية التي تقام على أرض الإمارات، خاصة تلك المنشآت المتفردة في الشكل والفكر والرؤية والتنفيذ الدقيق، وتشكل هذه المعالم السياحية نقاط جذب للسائح، وتستحوذ على الإعجاب والدهشة، وتظل في ذهن السائح كصورة يتحدث عنها لسياح محتملين عندما يعود إلى بلده. منذ أيام، كنت بالمصادفة في قرية التراث الكائنة في منطقة الكاسر بمدينة أبوظبي، كان أول ما جذب انتباهي هو هذا العدد الكبير من السياح في القرية، ومع مضي الوقت وجدت أن الوفود السياحية تتوالى الواحد تلو الآخر، ورأيت على وجوه السياح نظرة مختلفة عن نظرة الاندهاش والانبهار بالمعالم السياحية الحديثة. كانت نظرتهم بها شيء من الاحترام للتاريخ والتراث والثقافة، وكان الاهتمام بالاستماع إلى الشرح والتفاصيل مثار دهشتي أنا شخصياً، الأمر هنا كان مختلفاً وهم يلتقطون الصور لأشياء ربما اعتدناها نحن ولا نظن أنها قد تلقى كل هذا الاهتمام. هنا بدأ العقل يفكر في اتجاه آخر، فقرية التراث في منطقة الكاسر هي المنطقة الوحيدة في أبوظبي المدينة التي تعني بهذا الأمر..! وهي رغم تميزها بالكثير من الأشياء لم تطرأ عليها أي إضافات منذ سنوات طويلة..! المساحة نفسها رغم زيادة الزوار، والمكونات الداخلية نفسها باستثناء بعض التغييرات القليلة، وكان من المفترض أن تكون أكثر اتساعاً من ذلك حتى تستوعب إضافات جديدة وزواراً جدداً. ليس هذا فحسب، ولكن من الواضح أنه ليست هناك نوايا لتطوير أماكن أخرى لها الطابع التراثي نفسه، رغم أن لدينا إضافات جديدة لمعالم المدينة بمساحات شاسعة، ولكن كلها تنصب على الأفكار الحديثة والمدن الترفيهية المستوردة من الخارج..! أعتقد أن لدينا الإمكانات لأن نطور منطقة تراثية ترفيهية بمواصفات عالمية، تشمل العديد من جوانب التراث الإماراتي والخليجي والعربي في آنٍ واحدٍ، وأن تشتمل على شروحات للتاريخ العربي الخليجي والحكايات والروايات وحتى الأساطير التي تحفل بها الكتب عن قصص البحار والصحراء. هناك تجارب في دول خليجية مثل سوق “واقف” ومشروع “كتارة” في قطر، وتجربة البحرين ومسقط في تطوير الأسواق الشعبية، وكلها تجارب ناجحة، ولكن هنا في الإمارات ربما أهملنا هذا الجانب بشكل كبير رغم أهميته في صناعة السياحة، ورغم أنه يترك تأثيراً كبيراً على السائح يفوق ذلك التأثير بالمعالم السياحية الحديثة رغم إبهارها. لذلك، فأنا هنا أقترح بما عرف عن الإمارات من الريادة في الأفكار والطرح السياحي، أن نبدأ في التخطيط لمدينة ترفيهية تراثية عالمية، يجد فيها السائح والمواطن والمقيم التاريخ والتراث والأساطير العربية والخليجية في شكل شخوص وألعاب ومناطق كاملة بها شكل الحياة القديمة والمنازل والخيام والآبار، مدينة يدخل فيها الزائر إلى التاريخ والزمن القديم، مدينة تحقق الشيئين معاً، نجمع فيها الانبهار بالفكرة ودقة التنفيذ، والانبهار بتراث وتاريخ المنطقة.. إنها فكرة تستحق منا التوقف والدراسة؛ لذلك أدعو الجميع قراء ومسؤولين لأن نضيف عليها من الأفكار والاقتراحات.. ليكن مشروعنا السياحي القادم.. المستقبل برائحة الماضي.. وحياكم الله رئيس تحرير مجلة أسفار السياحية a_thahli@hotmail.com