من أكثر المسائل التي يثيرها العقل أمام صاحبه ذلك السؤال: هل تحيا بالطريقة التي تريدها؟ هل تعمل في الوظيفة التي تحبها فعلا ؟ هل أنت مقتنع بانك يجب أن تبقى في هذه الشركة لسبب وحيد هو كونك تعيل أسرة ملزم تجاهها أخلاقياً حتى وإن كنت لا تشعر بانك تحقق ذاتك وطموحاتك فيها؟ تتوالى على رأسك هكذا أسئلة وأنت تتابع سير الفيلم الأميركي “الطريق الثوري” الذي يحكي عن فرانك ويلر رجل المبيعات في شركة لتصنيع الأجهزة الكهربائية والمتزوج من أبريل ويلر التي تعمل كممثلة هاوية لهما من الأولاد اثنان: ولد وبنت ويسكنان في بيت جميل يقع على شارع يعرف بالطريق الثوري ومن هنا يأتي اسم الفيلم بل وكل مفارقات القصة التي ينبني عليها بما يرسله للمشاهد من رسائل فلسفية غاية في الأهمية.
فرانك لا يحب هذه الوظيفة التي يمتهنها لكنه يبدو رجلاً متفهماً جدا لعائلته ومدافعاً عنها إلى درجة شرسة كرجل أميركي يعيش سنوات الخمسينيات المحافظة ظهر ذلك حين اكتشف محاولة زوجته إجهاض نفسها، أما حين اتهمته زوجته بالفشل، لجأ إلى أول موظفة أبدت إعجابها به فدعاها إلى الغداء وبدأ يشكو لها رتابة عمله، وأنه في عيد ميلاده الثلاثين اكتشف أنه أضحى نسخة مملة من أبيه الذي كان يعمل في الشركة نفسها ولطالما كان فرانك يدعو الله أن لا يصير مثل أبيه.
حين يعود إلى منزله تكون زوجته التي تعيش مأزقا نفسياً يتمثل في شعورها بالفشل وعدم السعادة مرجعة السبب إلى ممارستها هي وزوجها حياة ليست هي ما كانا يطمحان إليها، فيتفتق ذهنها عن حل سحري تخبر به زوجها: السفر إلى باريس التي يحبها هو الحل، بمدخراتهما يمكن أن يعيشا هناك لستة أشهر، ستعمل هي سكرتيرة وسيتفرغ فرانك للدراسة والحياة الرائعة إلى أن يجد عملاً .
تقول له: إن ما قتل حياتنا هو أننا في سبيل الأولاد قد قتلنا ذواتنا هكذا جابهته الزوجة فيتحمس زوجها للفكرة بعد تردد ولكنه يوافق زوجته أخيراً وسط سخرية الجميع، الجيران وزملاء العمل، كانت الزوجة تهرب من فشل الزواج وشعورها بنهاية الحب بينها وبين فرانك وبفشلها كممثلة ظلت تقنع نفسها لسنوات بأنها الأفضل كزوجها تماما.
تقول لزوجها هذا ليس واقعيا، ليس من الواقع في شيء لرجل ذي عقلية جيدة مثلك أن يستمر في نفس العمل الذي لا يطيقه عاماً بعد عام، يعود إلى منزل لا يطيقه أيضاً ولزوجة لا تطيق نفس الوضع هي أيضاً، وحين تكتشف أن زوجها قد غير رأيه وقبل عرضاً مغرياً من مدير الشركة، إضافة لاكتشاف حمل لم تكن تتوقعه ولا تريده ، فإنها لجأت إلى إجهاض نفسها ما قاد إلى وفاتها.
صانعوا الفيلم أرادوا أن يوصلوا للمشاهد رسائل كثيرة، الفكرة الرئيسية كانت في كون أن معظم الناس يلغون طموحهم الشخصي من أجل واقع أنهم قد تزوجوا وصاروا مسؤولين عن إعالة أسرة وأبناء، مع أن هذا ليس كافيا، فكرة أخرى مهمة هي الصراع بين أن تختار الاستقرار في شيء لا تحبه خوفا من المجهول وبين أن لا تغامر بمعرفة شيء آخر حتى لا تكون في نظر الناس مجنوناً.
التغيير قادم لكن الزوجة لم تحتمل الانتظار اجهضت نفسها في إشارة لإجهاض أحلامها وهي تواجه الشارع العريض أمامها منزلها، شارع “ الطريق الثوري “ !


ayya-222@hotmail.com