هذه الجسور الكبيرة والجميلة والحديثة في أبوظبي، والتقاطعات الخاصة بها إلى متى ستظل الأرض تحتها قرعاء جرداء، لا عود أخضر نابت فيها، نخطف عليها، وكأنها قطعة لا تمت لأبوظبي الخضراء التي أحيت أشجاراً كان الكثير يراهن على أن لا تقوم لها قائمة، ومع التحدي والإصرار، ومحبة غير طبيعية من رجل كان همه البيئة والخضرة، وذلك الجمال الخفي فيها، حتى جعل من هذه الرمال منازل للناس، وأشجاراً هي مأوى للطير والسائب، ونجح يرحمه الله حتى باهى بما صنع الآخرين، وكان مصدر اعتزاز وفخر أن تكون هذه الجزيرة، وتلك الرمال التي من حولها غابات من نخل وشجر وسدر، غير أن اليوم يربكنا أن نجد الأسمنت يزحف رويداً رويداً نحو الشجر، مثلما تألمت حين عرفت أن نخلات باسقات وقديمات كانت تحرس الحصن، توزعت عروقها في أماكن مجهولة وبعيدة، جاعلة المكان يغرق في وحشته.
مقصد الحديث أن تلك الأماكن التي تحت الجسور وحولها هي مهيأة لتكون حدائق جميلة، فلمَ هذا التباطؤ في تركها سبيلاً مشاعاً؟ والتي ربما مع الوقت ستكون عرضة للتحول لمكبات أو جامعة للتلوث، وما تذروه الذاريات، بعض هذه الجسور تشكل مدخلاً رئيسياً للعاصمة للآتين إليها من الجهات الأربع، وقد فرحنا بتدشينها على مراحل، وصبرنا على التحويلات الكثيرة، فقط لأنها شريان حيوي، واليوم مضى على اكتمالها واستخدامها قرابة الثلاث سنوات، لكن ما زالت أرضها رمادة خالية إلا مما نسيه المقاول من حديد وخشب، والسؤال هل تنتظر البلدية أن ينبت الشجر لوحده؟ أم موعودة بسحب ثقال ستهطل عليها بعد أعوام الرمادة تلك؟ بصراحة.. لو زرعناها قبل ثلاث سنوات بشتلات لكانت اليوم شجر نتظلل تحته، في الأول كان المفرق تحوطه الأشجار، والناس تبرّح وتمرّح عنده، السيارات تتوقف لتبرد و”الدريولي والمعيوني” يتفقدها من خراب أو عطل، والناس ترتاح، وتعين خيراً، وإن كانت ركاب، هيدوا وريحوا ركبهم، واستظل الناس أو “ورّوا ضوهم”، واليوم لا نريد أن نمر مسرعين من تحت تلك الجسور، وكأنها لجيراننا، ولا تخصنا، نريد شيئاً من جمال غائب، ولا يعوض مثل هذا الغياب إلا حضور النخل والشجر هناك، كيف والعاصمة مدخلها ليس له أفق إلا الغبار، وتلك الجسور العالية والمعلقة، فإذا بتتأخر البلدية، وقسم الزراعة فيها-هذا إذا بقي قسم للزراعة فيها- سنوات أخرى من الانتظار، أقترح أن نسوي مناشدة جماعية للأهالي بالتبرع يومي الجمعة والسبت لساعات من وقتهم، ويقوموا بحرث الأرض وتسميدها وتجميلها بالأشجار والورود المتبرع بها من قبلهم، كعمل تطوعي مثلما يفعل سكان المدن العالمية الجميلة حين ينظفون مدنهم ويجملونها فرحين بذلك.


amood8@yahoo.com