إنه أمر في غاية الأهمية وهو سؤال بحجم استراتيجية مجتمع: ما القرار الذي اتخذته وسائل الإعلام الرسمية التقليدية والمؤسسات الثقافية معها في هذه المبارزة الشديدة القسوة بينها، وبين الإعلام الجديد؟ إعلام مواقع التواصل والانترنت والتكنولوجيا الرقمية ؟ إعلام المواطن كما يطلق عليها في الغرب، الإعلام التقني السريع المباشر والآني؟ الإعلام الذي لا يعترف بالحدود السيادية ولا بقوانين النشر والطباعة ولا بحراس البوابات التقليديين في المؤسسات الإعلامية وتحديداً الصحفية ؟ المبارزة شرسة جداً، والتحدي لا يحتاج إلى اجتهادات أو التفافات بقدر ما يحتاج إلى مواجهة حقيقية قائمة على الاعتراف وتصحيح المسارات. لا يمكن أن نقارن بين قناة إعلامية كالفيسبوك وتويتر مثلاً، وقد باتت تستقطب ملايين الشباب، وتقدم لهم ما يشبع احتياجاتهم كاملة، وبين مؤسسات لا تزال تعاني من قيود الرقابة، وضعف التمويل، ومشاكل التوزيع وصراعات حصص الإعلانات، والارتهان إلى نظريات العرض والطلب عند شراء ورق الطباعة وتقنياتها، لا يمكن أن نقارن التركة الضخمة الثقيلة التي ترزح تحتها المؤسسة الإعلامية الرسمية بقنوات التواصل المنسجمة مع “عقيدة “ العولمة وسياسة الحرية الكاملة في الكتابة والتوزيع والنشر والإعلان والانتشار والتواجد. في جلسة إعلامية ضمت عدداً كبيراً من أهل الإعلام والصحافة قال أحد رموز الصحافة الإماراتية إنه لا يجب الإعلاء كثيراً من شأن صحافة حديثة كصحافة مواقع الانترنت لأنها صحافة يقوم بها أناس غير حرفيين، لا يمتون لمهنة الصحافة، ولا يعتمدون على أخبار صحيحة ولا على مصادر موثوقة، إنها صحافة تعتمد الكذب والإشاعات والتضليل “، كان جوابي عليه، أن مواثيق العمل الصحفي قد وضعت للإعلام التقليدي لكثرة التجاوزات التي تحدث من قبل الحرفيين وأصحاب المصادر الموثوقة، لا أتحدث عنا هنا في العالم العربي فقط، ولكن التجاوزات طالت أعتى مؤسسات الصحافة في الغرب أيضاً. عند الحديث عن تحدي الإعلام الإلكتروني وشيوع توجه معظم الشباب لمواقع التواصل الاجتماعي، فإن الأمر يستدعي الانتباه للتحدي، وعمل كل ما يلزم للمواجهة ولكسب أرضيات جديدة، بدل فقد أراضينا الحقيقية التي كنا نمتلكها لمصلحة هذه الموجة الكاسحة، فإذا بقينا في منطقة رفض التحدي بتوجيه التهم لهذا الإعلام فإن النتيجة ستكون صفراً لواحد، لمصلحة مواقع التواصل بالتأكيد، لأن كل الدراسات العلمية الكمية والوصفية أكدت أن الإعلام الجديد هو الأقرب لروح العصر، ولروح الشباب، وهو الأقدر على إشباع كل احتياجاتهم بدءاً بالترفيه والتسلية، وانتهاء بالتواصل وعقد الصداقات، مروراً بالحصول على المعلومات والأخبار. إن هامش الحرية الكبير الذي يسمح بالتعبير عن الآراء ومناقشة كافة القضايا التي لا يسمح الإعلام والمؤسسة الرسمية بمناقشتها يعد واحداً من أكبر إغراءات هذا الإعلام، وهو في الوقت نفسه التحدي الأكبر الذي يواجه الإعلام التقليدي، دون أن ننسى أن القدرة على تبني المواقف والقضايا (جماعات حماية البيئة، مناهضة العولمة ، ...) صار أسهل كثيراً عبر هذه المواقع، ما يعوض على الشباب ضعف المؤسسة الثقافية الرسمية، واضمحلال مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، ولذلك فإن عدد المشتركين في مواقع التواصل في الإمارات يتزايد بشكل كبير، ما يشكل سؤال تحد أمام الإعلام والمؤسسة التقليدية. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com