يشكل المفتاح ضرورة حتمية في حياتنا، فهو وسيلة الدخول إلى الكثير من تفاصيلنا إلى أسرارنا وممتلكاتنا، ومن أجل هذا المفتاح اشتغلت العقول والآلات لتصميمه وصناعته بأشكال متعددة ومختلفة، فهناك مفاتيح البيوت الصغيرة والقصور والشقق، ومفاتيح المصانع والمصالح الرسمية، ومفاتيح الدراجات والسيارات الفارهة منها والعادية، والشاحنات والبلدوزرات، ومفاتيح الخزائن والبنوك، ومفاتيح السجون.. مفاتيح لكل شيء في حياتنا المادية. ولهذه المفاتيح صنعت العَلّاقات بأشكال وأنواع مختلفة لحفظ المفتاح من الضياع، منها عَلّاقات بسلاسل طويلة، حيث يشك فيها حزمة مفاتيح لأقفال متعددة، عَلّاقات بأسماء وأرقام، وأخرى مجسمة على شكل حشرة أو برج من الأبراج أو حيوان من الحيوانات، أو معلماً من المعالم، منها ما يصنع من الخشب ومنها من الإستيل والبرونز والفضة والذهب، وبهذه العَلّاقات يتفنن الناس في طريقة حملها واختيارها، فهناك من يحمل مفتاحاً واحداً فقط في كل عَلاقة مفاتيح، وهناك من يشك عدداً من المفاتيح في عَلاقة واحدة وتطربه خشخشتها. وأكثر هذا أنواع علاقات حفظ المفاتيح استخداماً علاقة السجان التي تحتوي على مفاتيح عديدة. وعلى مر التاريخ تبدلت المفاتيح في أشكالها حتى وصلت الآن إلى مفاتيح بلاستيكية ـ أي البطاقات ـ والمفاتيح باللمس والمفاتيح بالأرقام، ولكن كل التطور الذي طرأ على المفتاح لم يغير من مهمته الرئيسية وهي حفظنا وحفظ ممتلكاتنا وأسرارانا، ولا يمكن أن نتخيل حياتنا بلا مفاتيح، حيث يمكن أن نكون عرضة لكل ما يمكن تخيله من نهب لبيوتنا وممتلكاتنا الصغيرة والكبيرة، المادية والمعنوية.. تكون فيها حكاياتنا وخصوصيتنا مشاعاً للقاصي والداني. ومهما بالغنا في قدرتنا على الانفتاح وإننا كتاب مفتوح ولا نهاب أو نخجل أو نخاف أن نترك كل أبوابنا مفتوحة على مصراعيها بلا أقفال وبلا حذر، يطل علينا المفتاح دائماً من منطقة الخصوصية التي لا يمكن أن نتخلى عنها. ولكن رغم كل ذلك ألا يمكن فعلاً أن نتخلى عن المفتاح والأقفال التي توصد حياتنا؟ يمكن ذلك في أماكن غير موجودة أصلاً على الأرض، أماكن لا يوجد فيها التطفل الذي يعد الغريزة البهيمية في الإنسان، التطفل غير المدرك والمفتوح على عدم التقدير والانتهاك الأعمى للخصوصية والتشويه والادعاء بالباطل.. في تلك الأماكن الخالية من كل ذلك يمكن أن نستغني عن المفتاح، يمكن أن تكون أبوابنا مشرعة دون أن يقترب أحد، وأن تكون أشياؤنا محفوظة ومصونة حتى وهي تحت نظر مليون عين وعلى مقربة من مليون يد. عندما يضيع عنك مفتاح فإنك تنهك في البحث عنه، خاصة إذا كان هو المفتاح الوحيد الذي يؤدي إلى كل مفاتيحك الأخرى، وعندما لا تجد المفتاح، لا يكون لديك مناص من كسر الباب حتى تتمكن من بلوغ حياتك من جديد، حيث كل تفاصيلك. ولكن ماذا تصنع عندما تضيع مفتاح قلبك بعد أن أقفلته وفي داخله شخص ما؟ ماذا ستفعل بعد أن تدرك أن من في قلبك يريد الخروج أو أنك تريد إخراجه ؟ أو ماذا تصنع إن كان شخص ما تريد إدخاله إلى قلبك، ولكنك لا تستطيع، لأن مفتاح قلبك قد ضاع منك؟ إلى هذا المعنى المجازي يدخل المفتاح في حياتنا، حيث كل شيء فينا هو بحاجة إلى مفتاح.. مفتاح الأمان والكلام والبيوت والكتابة والقراءة والرسم والغناء والعزف وحتى مفتاح النوم.. لذا علينا دائماً الاعتناء بمفاتيحنا.. كي لا تضيع ونضيع. سعد جمعة | saadj mah@hotmail.com