المُلح أو الطرائف ملح الحياة ويحتاج الإنسان بين الفينة والأخرى إلى الترويح عن النفس التي تمل العمل المتواصل، وتحتاج إلى استراحة كما أعضاء الجسم الأخرى، وقد عرف العرب قيمة الطرف والفكاهة، فقالوا إن المُلح تصرف المخاوف وتنقذ الملهوف، وقد عرف التراث العربي ظرفاء كأشعب وبهلول وأبي العيناء وجحا وغيرهم ممن اشتهروا بنوادرهم وخفة دمهم ومُلَحهم، التي تناقلها الناس في مجالسهم مادة يخففون عن نفوسهم المتعبة ويروحون عن همومهم المتراكمة. أبو العيناء محمد بن القاسم أبو عبد الله المعروف بأبي العيناء، الإخباري الأديب الشاعر، ولد بالأهواز سنة 191 هـ وكان أعمى، وكان من أظرف أهل الأرض وأوفرهم ذكاء وسرعة جواب. ودخل أبو العيناء على المتوكل؛ فقال: أي شيء تحسن ؟ قال: أفهم وأفهم، وآخذ من المجلس ما حوى، مرة أغلب ومرة أغلب، قال: كيف شربك للنبيذ ؟ قال: أعجز عن قليله وأفتضح عند كثيره. قال: فما تقول في بلدك البصرة ؟ قال: ماؤها أجاج، وحرها عذاب، وتطيب في الوقت الذي تطيب فيه جهنم. قال: ارفع حوائجك إلينا. قال: قد رفعتها إلى الله، فما أحب نجاحه فليس ينفعني شرحه، قال: نحب أن تلزم مجلسنا، قال: يا أمير المؤمنين، إن أجهل الناس من يجهل نفسه؛ أنا امرؤ محجوب والمحجوب تختلف إشارته، وقد يجوز قصده، فيصغي إلى غير من يحدثه، ويقبل بحديثه على غير من يسمع منه، وجائز أن يتكلم بكلام غير راض، ومتى لم أفرق بين هذين هلكت. وأخرى: كل من في مجلسك يخدمك، وأنا أحتاج أن أخدم، ولم أقل هذا جهلاً مني بما في هذا المجلس من الفائدة، ولكني اخترت العافية على التعرض للبلاء. قال الفتح بن خاقان: يا أمير المؤمنين، هذا رجل عاقل عارف بنفسه وبحق الملوك. قال: فيلزمنا في كل الأوقات لزوم الفرض الواجب. وبلغ أبا العيناء أن المتوكل قال: لولا أن أبا العيناء ضرير لنادمناه. فقال: إن أعفاني أمير المؤمنين من رؤية الأهلة وقراءة نقش الفصوص فأنا أصلح للمنادمة، وإنما هذا تولع منه بلسانه؛ واقتدار على الكلام، وإلا فقد تعافى من ذلك المقام. وكان يقول عن عماه:‏‏ إن يأخــذ اللــه مــن عينــي نورهمــا ففـي لســاني وســمعي منهمــا نــور‏ُُ قلــبٌ ذكـيّ وعقــلٌ غيـر ذي خطــل وفـي فمــي صــارمٌ كالســيف مأثــور‏ُُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae