في الآونة الحديثة اتكأت الرواية البريطانية على الكاتبة هيلاري مانتيل ككاتبة متفردة في طرحها، والمتقنة لأدواتها الكتابية، والمتوغلة عميقا في نهجه، والمتزنة في حياتها وثقافتها. هيلاري القادمة من حياة كانت في بدئها مفعمة بالبؤس والشقاء هي نفسها المنتصرة على ماضيها من أجل أن تضيء الحياة الثقافية في بلدها، و لها أن تنير أرجاء مملكة باتت تنحسر عنها الشمس، ولكي تسعى من خلال ثقافتها ومثقفوها وكتابها أن تشيع شمس الحضارة وتولد من جديد بروح نبضها ثمة ذاك البريق المتأصل في الحياة ولا شأن آخر سوى للثقافة إذا ما أرادت الدول أن تتميز وان تبتهج. الكاتبة تميزت برؤية شاملة. وهي تتصف بالروح الظاهرة و المثابرة رغم أنها لم تبرز في بدايتها ككاتبة متميزة أو لم تظهر بتاتا لكنها لم تجزع لذلك لتشق طريق الهدوء والتميز وتطفئ ثورة البدء فكان لها حال تكوينها وتميزها وقوة صبرها على الذات لتتماهى وتدون قراءتها وحياتها اليومية مثلما كانت تعتد وتقول في خضم ردها على التساؤلات. وهي التي حدث وأن عاشت جزءاً من حياتها في مدينة جدة عروس المدن العربية فكان لها تسجيلها الخاص في الكتابة عن هذه المدينة العريقة وناسها وتفاصيل الحياة وثقافتها التي حرضت الكتابة على نيل أولى جوائزها. وعرف عن الكاتبة هيلاري ميلها إلى التاريخ وحيز ثقافتها يدور حول تحولات الحياة سواء كانت في المدن أو الأساطير التي عادة ما يلتفت إليها الكاتب فكانت وفية إلى حد التماهي والولوج في عالمها والاحتفاء بتشكلها لأن الماضي هو الحاضر المتجدد والمتسارع الرتم مما أضفى على الكاتبة ثورة بدء النجاح في إعادة دوران الكتابة، وبذلك فوزها بـ (مان بوكر) مرتين وهي سابقة لكاتبة أو كاتب انجليزي مما يمثل مؤشرا أنها قدمت لقراء العالم عملا مميزا. والقارئ المتأمل في كتاباتها الفائزة سواء أكان «ذئب القصر» أو «ارفعوا الجثث» يجدها كاتبة مجازفة كونها تتكئ على وقائع تاريخية غابرة.. ولكن تمكنها في فتح شهية القارئ نحو أحداث تاريخية ذات أهمية ثقافية لدى شريحة عريضة من المجتمع البريطاني أو الأوروبي هو مكمن تميزها فضلاً عن أدواتها الكتابية التي تنبئ بكاتبة ذات لغة رشيقة تغذي العمل وتنسج حوله النسق، وتشرع نحوه الكثير من القراءات والأدوات التي تعالج الأحداث بدقة متناهية، وأهم من ذلك قيمة الفكرة التي تعتبر بداية أي عمل ناجح وتلاه ذلك تحديد شخصية البطل رغم ما تتصف به الرواية كون القصر يرتبط بالملك كشخصية نافذة وآمرة وعادة ما تحدد مسار العمل. ولا ينسى القارئ أسلوب الكاتبة وإبداعاتها الفلسفية وتشكيلها لتلك الحوارات الشيقة التي دعمت العمل الروائي وأرادت له منهجية ثرية ومنه تنطلق لتتناغم مع الجزء الثالث الذي سيتمم العمل بأكمله ولكن ماذا بعد ؟ أو ماذا ستقدم الكاتبة وهل ستجنح في مجازفة أخرى؟ وهي التي اعتادت على نمط محدد من الكتابة.