عندما سُئل “علي” الذي ولد فاقداً للبصر، عن ما الذي يعجبه في البحر، قال “صوته”، وعندما سُئل عن ما هي المواصفات التي يريدها في المرأة التي سيتزوجها، قال “أن يكون صوتها ناعماً”، قاطعاً بذلك كل الزوائد التي يمكن أن يسردها المبصر عن جمال البحر وامتداده وزرقته، وعن جمال المرأة بطولها وشعرها الممتد كالنهر، والأسود كالليل وعيونها الواسعة وشفتيها الجذابتين عن مشيتها، خصرها، تقاطيع وجهها وكل ما يجذب العين.. “علي” ذهب إلى ما يخصه من البحر الذي يتردد إليه دائما، وتحديداً ما يخص حاسة السمع لديه وكذلك ما يخصه من المرأة، وهو صوتها الناعم وسلوكها الطيب، حسب ما أردف في رده، وعمرها الذي يجب أن يكون أصغر منه، وذلك حسب الطبيعة الثقافية في مكان نشأته. “علي” هو الشخصية الرئيسية في فيلم “قولي يا حلو” للمخرج البحريني محمد الجناحي الذي عرض السبت الماضي في مسرح أبوظبي بكاسر الأمواج ضمن مهرجان الخليج السينمائي، وفي هذا الفيلم الذي يقدم فيلما وثائقيا، أي أنه يقدم فيلما داخل فيلم من خلال سرد قصة طالبتين تبحثان عن موضوع تقدمانه كفيلم وثائقي، حيث ينجح المخرج في إدارة هذه المهمة السينمائية الجميلة لما احتوته من قيمة إنسانية عالية تمثلت في “علي” وكفاحه وإصراره على الحياة والفرح والمضي بجمال في الحياة وهو مزود بالأمل. ويبدأ الفيلم ببحث الطالبتين عن موضوع مناسب يمكن أن يكون فيلما وثائقيا، فبعد أن يجول المخرج بكاميرته في أسواق ومقاهي البحرين، وبعد الفشل في الحصول على فكرة موضوع في العديد من تلك المواقع، يتوقف فجأة أمام شاب كفيف يجلس في مقهى، حيث يلفت هذا الشاب اهتمام الطالبتين بعزفه على الناي، وهنا تقرران أن تصورا حياة “علي” كفيلم وثائقي، وبعد ان يتفقا على زيارته في منزله، يصور الفيلم البيئة الفقيرة التي يعيش فيها “علي” ومنزله الضيق، الذي هو عبارة عن شقة صغيرة، ويقدم الواقع الصعب الذي يعيش فيه “علي” البالغ من العمر ثمانية وعشرين عاما وكيف يغير “علي” كل هذا الواقع كل يوم إلى درجة انه يعد معيلا رئيسيا للأسرة، كل ذلك يبرز في اللقطات التي يظهر فيها “علي” ضمن سيرة الفيلم، حين يجلس في السوق يعزف على الناي ويقدم له الناس بعض المال كمكافأة على عزفه، وحين يعزف في البيت مع اشقائه الذي يجيد احدهم العزف على الجيتار وآخر يجيد الغناء، وحين يذهب للبحر بصحبة شقيقه الصغير خليل الذي يرافقه في كل تجواله اليومي تقريبا، حيث يقول “علي” عن ذلك إنه يحب شقيقه الصغير خليل كونه حنونا؛ في كل ذلك كان “علي” يعزف في الحياة كما يعزف على نايه، وهو مزود بأحلام كبيرة أن يكون مغنياً مشهوراً، وفي الوقت نفسه مصراً على الجمال الذي يحسه ويصر عليه من خلال حبه لأسرته ولأمه وللناس وللعزف ولنايه الذي يدسه دائماً قريباً من قلبه. saadjumah@hotmail.com