لا يزال الملف الصحي في الإمارات واحداً من الملفات العصية على التفكيك على ما يبدو، وفي الحقيقة، فإنه كلما لاحت في بيت أي واحد منا أزمة صحية، اتضح لنا وببساطة كم أن الموضوع الصحي يحوي من الأوراق ما يتوزع على كل المواطنين تقريباً، بمعنى أننا إذا فتحنا موضوع الخدمات الصحية اليوم وطلبنا من الناس أن يقولوا ما لديهم من تجارب ومواقف، فسيتبرع المئات لتزويدنا بمئات، بل بآلاف القصص التي تدفع للتعجب كما تدعو إلى الأسى. في بيت واحد، تعرضت امرأة لتشخيص خاطئ ترتب عليه إجراء عملية جراحية بشكل خطأ قادت إلى مضاعفات اتضح لاحقاً أن المرأة مصابة بسرطان الصدر، وكان بالإمكان تلافي المأساة باكراً وعدم استئصال الصدر لو أن التشخيص كان صحيحاً من البداية، هذه الأسرة نفسها تفشل في العثور على موعد قريب لإجراء أشعة مقطعية عاجلة لحالة مريض حالته حرجة فعلاً لأنه لا توجد أجهزة كافية في المستشفيات، بينما تعاني فتاة في العائلة نفسها آلاماً مبرحة في الكتف، احتاجت لتناول عقار مسكن لسنوات طويلة ما تسبب في تدمير معدتها .. والباقي كثير. وقبل أن يتهمنا متسرع، نقول إننا لا نذم مؤسسات وطنية في بلادنا، ولسنا بصدد إنكار الخدمة الصحية التي تجتهد الحكومة في تقديمها وتوفيرها لمواطنيها، بدليل هذه الملايين التي تنفقها أجهزة عديدة لعلاج المرضى الإماراتيين في الخارج، الأمر الذي لا يتوافر لشعوب أخرى كثيرة، لكننا هنا نتحدث عن مواصفات الخدمة الصحية التي لا نجد أنها تتطور بما يوازي الميزانية الضخمة التي ترصد لها، فمن المسؤول؟ ولماذا ؟ من واقع تجربة شخصية، فإن دواء معيناً يتوجب توفيره لأحد المرضى من دولة أوروبية، بشكل شخصي وعلى نفقة المريض، لأن الدواء نفسه بالتركيبة الطبية نفسها المتوافرة هنا في الإمارات ليست بالمستوى نفسه والفاعلية الأوروبية، إذن من هو المسؤول عن ذلك؟ لماذا لا يوجد في الإمارات هيئة اتحادية لمواصفات الدواء والغذاء كتلك الموجودة في دول خليجية شقيقة، حتى لا نرفع سقف توقعاتنا ونقول كالولايات المتحدة؟ لا يوجد استثمار مدروس وممنهج في القطاع الصحي في الإمارات للأسف، كوادر الأطباء المواطنين لا يجدون الاهتمام المطلوب، والأزمة الأخيرة لأطباء الامتياز كشفت عن خلل واضح، كما أن مرتبات الأطباء التي تقل بمقدار الضعف عن نظرائهم من غير الإماراتيين كشفت عن تعاطٍ غير منطقي مع كوادرنا الطبية، أما سياسات الدواء ومواصفاته وأسعاره، فكلها تكشف عن اختلالات حقيقية، ولن نضيف فشل تجربة توطين مهنة التمريض السامية، التي لا يزال هناك من يصر على أن تبقى في أيدٍ غير وطنية. تركيبة الدواء التي تخترعها الشركات العالمية العاملة في حقل تصنيع الدواء حين تباع لمنطقة الشرق الأوسط، فإنها لا تباع بالمواصفات نفسها التي تباع بها في أوروبا، نحن في الشرق الأوسط نشتري مواصفات أقل بكثير عن المواصفات الصحيحة للدواء السليم، ولذلك حين تأتي بحبة (دواء) من أوروبا تشعر بأنها مختلفة، وهذه أمر يستدعي تخصيص أطباء مؤهلين في هذا المجال، وتأسيس هيئة اتحادية للمواصفات، حتى لا نشتري الدواء بخمسة أضعاف نظيره في دول مجلس التعاون وبمواصفات أقل. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com