في عام 2000م أنشأ بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت الأميركية، أكبر شركة مصنعة للبرامج والتطبيقات هو وزوجته مليندا “مؤسسة بيل وميلندا جيتس”، وهي تعنى بالأعمال الخيرية، وتعتبر أكبر جمعية خيرية في العالم وقد مولها جزئياً من ثروته، البالغة 61 مليار دولار أميركي وقتذاك، بحسب إحصائية مجلة “فوربس” العالمية المتخصصة بأثرياء العالم، حيث يعتبر ثاني أغنى أغنياء العالم، وقدّمت هذه المؤسسة الكثير من الدعم المادي لمحاربة مرض الإيدز والأوبئة المتفشية في دول العالم الثالث، كما قدمت منحاً دراسية بما يقارب الـ 29 مليار دولار أميركي منذ إنشائها إلى الآن.
وبيل جيتس وزوجته المصون نموذج حي لأصحاب رؤوس الأموال القائمين بدورهم الاجتماعي في المجتمع، كما أن هناك بير أوميديار مؤسس موقع «eBay» الشهير، ومديره التنفيذي جيف سكوول، ومؤسسي موقع «Google» سيرجي برين ولاري بيج، وغوردون موور صاحب شركة إنتل الأميركية وزوجته بايتي، وورين بفيت صاحب شركة Berkshire Hathaway الاستثمارية، ونجمة هوليوود الشهيرة إنجلينا جولي، كل هؤلاء لهم بصمات ومساهمات ملموسة لدعم البرامج المجتمعية، وقد مدوا أياديهم بكل سخاء للمؤسسات والأفراد من حولهم لمساعدتهم في تنفيذ برامج ومشاريع خيرية، وأخرى لخدمة المجتمع، وهم يتسابقون لفعل الخيرات والتبرع.
أما عندنا فالموضوع مختلف كثيراً، إلا من رحم ربي، أي أن التجار وأصحاب رؤوس الأموال تراهم يختبئون ويدفنون رؤوسهم لتجنب مثل هذه المبادرات والمساهمات التي تخدم البلاد والعباد، فعندنا أربعة من أصحاب المليارات بحسب إحصائية مجلة فوربس ضمن قائمة أثرياء العالم التي ضمت 36 “مليارديراً” عربياً، مجموع ثرواتهم 28 مليار درهم (7,6 مليار دولار أميركي)، بعد أن ارتفعت العام الماضي بنسبة 11,7% نتيجة تعافي القطاعات الاقتصادية في الدولة من تداعيات الأزمة المالية العالمية، الأمر الذي أسهم بدوره في ارتفاع قيمة الأصول العقارية والاستثمارية للأربعة، أصحاب المليارات، وحفاظهم على مراكزهم المتقدمة في قائمة الأثرياء، مستحوذين على نحو 6,2% من إجمالي ثروات أصحاب المليارات في الشرق الأوسط.
وهناك الكثير الكثير غيرهم ممن تقل ثرواتهم عن أصحاب المليارات المذكورين، ومع ذلك فإن مشاركتهم ومساهمتهم في دعم المشاريع الوطنية وبرامج الشباب والإسكان والزواج وغيرها من المشاريع الخيرية والتنموية لاتذكر، فأين هؤلاء الهوامير وأصحاب رؤوس الأموال، زادهم الله خيراً وبركة، من صندوق الزواج؟ أين هم من مشكلة ديون المواطنين؟ أين هم من مشاريع إسكان الشباب؟ أين هم من مشاريع الطرق؟ أين هم من مشاريع المستشفيات؟ أين هم من مشاريع المدارس؟ أين هم من...؟ وأين وأين وأين؟.
جميعهم غائبون، جميعهم فضلوا الجلوس في الصفوف الخلفية متفرجين، مكتفين بالظهور في مناسبة استقبال، أو وداع ليظهروا في الصور، ويكسبوا شيئاً من الوجاهة، رغم أن كل ما لديهم من خير يعود الفضل فيه للدولة بعد الله، فما كانت ثرواتهم لتتكاثر كالقطط والأرانب، لولا الأرض الخصبة والتربة الغنية التي قامت فيها مشاريعهم، بعد أن وفرت الدولة لها كل مقومات النجاح، فإذا كانت الدولة سخية معهم فيجب عليهم ألا ينكروا المعروف، وألا يقابلوه بالجحود والنكران.


m.eisa@alittihad.ae