من شأنه "تراثنا" أن يتطابق بالثقافة ويتماهى مع البعد الجميل للحضارة، فلا يسقط ضمن التراتيل المزمنة، ولا يستثنى من قائمة الاحتفالية، بل يتسامى دائما ليبقى ضمن المشهد المذهل، حاضرا كقصة جميلة لا تنتهي، تتوثق كلما طغى الزمن وجار، تتجسد كفكر منهجي لنا وليس كإرث جامد، وها هي لوحات التراث تحضر في جائزة زايد الكبرى، وتتلاحم ثرية ولها بعد آخر في منظومة الاحتفال، بل ما حدث بفاعلية الوثبة أعاد تاريخ التراث إلى الواجهة، وأضاف إلى الحفل أتون الزخم الذي يليق بما قدم من تنوع تراثي يعتبر إلى الآن خصبا. لم يكن مجرد سباقا للإبل أو مهرجانا يبدأ وينتهي كسائر السباقات، بل أخذه التراث ولوحاته المتميزة إلى الجمالية الرياضية والثقافية، كما لو كانت الحياة تولد من جديد، وما كان من المشاهد الجميلة أن ترى أرضا سطرت بروح الأجداد إلى أبعد حدود الحالة التي ابتكرت، وكأنها تجسيد عن حق وحقيقة، فحضر الموروث التاريخي بكل جدارة، وحضرت وجوه الماضي المتعددة من هيئة وشكل ومضمون، وتعطر المكان بعطر خلاب قل ما يحدث، تتملكه رقصة التراث "العرضة" التي تعبق بها الصحراء، لأنها تحاكي لغتها وصفو وجودها، وتعابيرها التي جنحت يوماً إلى الاندثار لكن استدعاها الزمن وأرادها الحفل ماثلة لا تتوارى عن الأنظار. اللوحة الأولى كانت تنم عن تهيؤ الجمال، واصطفافها صفوفا عديدة لا يمكن وصفها، كأنها تتحضر بعدتها وعتادها لرحلة شاقة عبر الصحراء، تثيرها غناء "الرزفة" وكأنها متممة للمشهد الذي يألف حضوراً مميزاً، وتدفقت عروض الخيول الممتعة، متلازمة وعروض الهجن، فسيل من الاستعراضات التي تسحر الألباب وتوقظ النفس على التراث الأصيل وتفاصيله وقريته التي أنشئت بجوار الفعاليات. اللوحة الثانية هي حضور الآخر متمثلاً في أجانب ممن بحثوا عن المشهد الحي وأتوا ليكملوا الصورة، مما يعزز في النفس صدق المثل الذي يقول أنت ما تقدمه عن نفسك، فالتراث هو الصورة المثلى للآخر من أجل أن تحضر بالذاكرة الثقافية، وهو ما يبحث عنه القادم من موروث ثقافي ومعرفي، لذا ترى بعضاً من النساء الأجنبيات يدأبن على ارتداء الملابس العربية والتعامل مع الجمال في جزئية لكنها تعبر عن الجمالية. حضر التراث وثقافة الموروث وغابت عنهما لغة الشعر العربي الأصيل، لكان من الممتع أن يتعانق الشعر بالمهرجان التراثي، لكانت الصحراء تبث فيه من روحها ليتماهى الشعر والتراث معا. لم يخلق الشعر العربي ضمن حيز المسارح ودور البناء العالية الشاهقة، وإنما مكانه الصحراء يتعانق مع سحرها ويتقارب مع لذتها وطقوسها الجميلة المعبرة، فالشاعر العربي يحرص أن يكون ضمن بيئته ليبدو أقرب إلى التفاعل الوجداني والثقافي، ومن الملفت أيضاً غياب العائلة العربية واكتفاءها بالمشاهدة من خلال الشاشة الفضية، مما يوقع على اللجنة المنظمة في تحضيرها للمهرجان المقبل كثيراً من العبء، لأنه فعلا مهرجان يستحق أن يكرس ضمن المشهد الاحتفالي للدولة.