يقال إن الإنسان ابن بيئته، وابن صنعته، فمن الطبيعي أن يتغزل الصرّاف الذي يعمل في عد النقود بزوجته فيقول لها: يا دراهم القلب البهية، ويا مراهم الجيب الخفية، وأن يتغزل النجار: يا بوابة القلب المحاطة بالأسوار والأسرار، يا منشاري الحديد، ويا مسماري الوحيد، وأن يقول الحداد: يا باب القلب المصفح، وأن يتحبب عامل البناء: يا إسمنت القلب المسلّح، وأن يتغزل السائق قائلاً: يا محرّك القلب بالدفع الرباعي المطوّر، وعلى الطرق يزهو ويتبختر، وأن يقطع الجزار بالقول: يا معلاقي ويا كبدي، ويا دمي الذي يسري في كل جسدي، وأن يتغزل الميكانيكي: يا مفكّ القلب وبراغيه، والطبيب: يا سمّاعة القلب ويا نبضه وشافيه، واللاعب: يا هدف القلب الأول والأخير، يا كرته التي باتجاهها يركض ويطير، وحارس المرمى: يا مرماي الوحيد والأثير، وسأبقى لظله العبد والأسير، وأن يقول الحكم: يا صافرة القلب التي لا تمل من الإنذار والتصفير، وأن يتغزل الصحفي: يا خبري الأول وعنواني الأخير، وأن يتحبب الساعي بالقول: يا رسالة الحب والأمر الخطير! قال الجاحظ: سألت ورّاقاً عن حاله ؟ فقال: عيشي أضيق من محبرة، وجسمي أدقّ من مسطرة، وجاهي أرقّ من الزجاج، ووجهي عند الناس أشدّ سواداً من الحبر بالزاج، وحظي أخفى من شق القلم، وجسمي أضعف من قصبة، وطعامي أمضّ من الحبر، وشرابي أمرّ من العفص؛ وسوء الحال ألزم بي من الصمغ، فقلت: لقد عبرت ببلاء عن بلاء. وكتب الجاحظ رسالة إلى المعتصم، وقيل إلى المتوكل في الحض على تعليم أولاده ضروب العلوم وأنواع الأدب وهي: يا أمير المؤمنين: علّم بنيك من أنواع الأدب ما أمكن؛ فإنك إن أفردتهم بشيء واحد ثم سئلوا عن غيره لم يعرفوه؛ وذلك أن حزاماً صاحب خيلك حين سألته عن الوقعة ببلاد الروم، قال: لقيناهم في مقدار الإصطبل، فما كان إلا بمقدار ما يحس الرجل دابته حتى قتلناهم؛ فتركناهم في مثل نثير السرجين، فلو طرحت روثة لما سقطت إلا على ذنب برذون. وكان قد أنشد في الغزل: ويحَ امرئٍ في وثاق الحبّ يكبحُهُ لجـــــــامُ هجرٍ على الأسقام مقرورُ أنــل خليلك نيلاً من وصالك أو حسن الرقـــــــاد فإنّ النوم مأسور أمنت فتل شكالي حين ودّعـنـي ومبضع الحـــــــب في كفيه مطرورُ لبست برقع هجر بعد ذلـك فـي إصطبل ودّ فروث الحــــــبّ منثورُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae