طالما أننا نتحدث خارج دائرة الأرقام والبيانات الإحصائية التي توثقها مراكز الإحصاء المعتمدة، فإن كل حديث يبقى في دائرة الرأي والانطباع والتخمين إلا إذا قدم المتحدث الدليل الذي يثبت أن ما يقوله يندرج فعلا في إطار المعلومات والحقائق وفقا لمصادر يسميها أو يحتفظ باسمها لنفسه، وهنا فإن اللبس واختلاط المعلومات فيما يتعلق بسوق العمل والتوظيف والبطالة مرده فقدان الإحصائيات المعتمدة أكثر من كون المسألة غير موجودة، فالبطالة موجودة فعلا، وعدم حصول الشباب على وظائف تناسب تخصصاتهم الجامعية ومؤهلاتهم حقيقة وليس تجني على مؤسسة بعينها أو مسؤولين معينين.
في هذا الموضوع تحديداً بمجرد أن تفتح الباب أو تسمح ببعض الحوار حوله فإنك سرعان ما تجد نفسك محاصراً بكومة من الرسائل والبريد الإلكتروني وتغريدات التويتر الكرام، في البطالة والتوظيف ليس هناك من لا يملك حكايته الخاصة أو من لم يمر بتجربة فيما يخص البحث عن وظيفة أو التنقل بين الوظائف، خاصة من شباب الجيل الحالي، لأن جيلنا ولله الحمد لم يعرف هذه المعاناة لا من بعيد ولا من قريب، فقد كنا نتوظف بمجرد أن ننهي دراستنا الجامعية مباشرة.
أكثر العبارات التي تستوقفك وأنت تستمع لكثير من شباب الإمارات الذين لديهم حكايات مؤلمة فيما يتعلق بالبحث عن عمل، هي تلك العبارة التي يقولها لهم مسؤولوا التوظيف أو مديرو إدارات الموارد البشرية لتبرير رفضهم لهم “أنتم أصحاب مؤهلات فائقة المستوى” أو أنتم مؤهلون أكثر من اللازم” هذا المبرر يذكرنا بشبيهه ولكن بالمقلوب حين كان شباب الإمارات يتقدمون لشغل وظيفة ما أيام زمان فيواجهون بعائق كبير متمثل أيامها في انعدام الخبرة أو أنهم بلا مؤهلات، وكان عدد كبير من الشباب في بداية سنوات الثمانينات يتسربون من المدارس بحثاً عن وظائف أن لم تستوعبهم القوات المسلحة.
اليوم انقلبت الموازين، وبعد أن استوعب الشباب معادلة السوق واحتياجات الوظيفة وصاروا يبحثون جاهدين عن الشهادات والدورات والتخصصات الدقيقة والنادرة ويذهبون لآخر بلدان الكرة الأرضية للدراسة في جامعات ودول مشهود لها بالتقدم والتطور كاليابان ودول اسكندنافيا وغيرها، اليوم إذا تقدم أحد هؤلاء لطلب وظيفة، قلب له مدير الموارد البشرية شفتيه مبرراً رفضه بعبارة “ مؤهلاتك أعلى مما هو مطلوب “ !! فما هو المطلوب من هذا الإماراتي المؤهل أكثر من اللازم ؟
سؤال أمام مديري الموارد البشرية ومن بيده القرار: لدينا شباب كثر من هذه النوعية الممتازة، تم رفض تعيينهم، لهذا السبب الغريب الذي يشعرك بأن بعض الشباب الإماراتيين قد تحولوا فعلا لمخلوقات نادرة، إلى درجة أن الهياكل الوظيفية لم تعد تستوعب إمكانياتهم، وكأن مديري التوظيف يطلبون منهم أحد أمرين :إما الجلوس في البيت بلا وظيفة جزاء هذا المستوى المهني العالي غير المطلوب، وإما الهجرة من الإمارات إلى بلدان أخرى قد تستوعب إمكانياتهم ومؤهلاتهم وهذا ما لا نريده أن يحدث، لكنه يحدث فعلا وللأسف الشديد، وهذه ظاهرة جديدة بدأت تتزايد وتحتاج إلى وقفة حازمة وقرار سياسي صارم.


ayya-222@hotmail.com