بعيداً عن تصنيفات العرب في الكلام الذي يقال أو لا يقال، و”ليس كل ما يعرف يقال”، آثر الأديب الألماني جونتر جراس الحائز جائزة نوبل للآداب أن يقول “ما يجب أن يقال” فأطلق قصيدته التي تحمل هذا العنوان، ففتح على نفسه أبواب الغضب الإسرائيلي والمنظمات اليهودية المتطرفة ودوائر اللوبي الصهيوني في كل مكان، فقد اعتبر الشاعر إسرائيل وترسانتها العسكرية النووية تهديداً للسلام العالمي.
في قصيدة “ما يجب أن يقال” التي نشرتها في الرابع من الشهر صحيفة “سودويتشه تسايتونج” إحدى أوسع الصحف اليومية الألمانية انتشاراً، انتقد جراس مبيعات السلاح الألمانية لإسرائيل.
وفي القصيدة التي أثارت ضجة واسعة في بلد يعتبر فيه انتقاد إسرائيل من المحرمات، قال جراس “لماذا أقول الآن فقط... إن إسرائيل القوة النووية تمثل خطراً على السلام العالمي الهش بالفعل.. لأن هذا ما يجب أن يقال والذي قد يكون أوانه فات إذا قيل غداً؟”. وقال “وكذلك لأننا كألمان يحملون ما يكفيهم، ربما نصبح شركاء في جريمة منتظرة”. ومضى يقول في قصيدته “لن أظل صامتاً لأنني سئمت النفاق الغربي”.
جراس الذي فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1999 عن روايات منها “الطبل الصفيح” التي توثق فظائع التاريخ الألماني خلال القرن العشرين، يعد من المدافعين عن قضايا الفكر اليساري والمنتقدين للتدخلات العسكرية الغربية ومن أنصار البيئة. وكان قد خرج من مواجهة مع الدوائر الصهيونية التي حاولت النيل منه عام 2006، عندما اعترف بأنه خدم في أحد أجهزة النظام النازي.
وقد جاءت مواجهته الجديدة بعد قصيدة “ما يجب أن يقال”، بينما يستعد لإصدار كتاب سيرته الذاتية بعنوان “تقشير البصل”، والذي يتضمن تفاصيل تلك الخدمة خلال الحرب العالمية الثانية.
ودعا جراس في القصيدة “منظمة” دولية إلى تولي السيطرة الدائمة على كل من الأسلحة النووية الإسرائيلية ومنشآت إيران النووية.
ومنذ نشر القصيدة وعواصف الانتقادات الشديدة من إسرائيل والدوائر الغربية تهاجم بشدة الأديب وهو في خريف العمر، إذ يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الخامس والثمانين. ووصفته صحيفة “فيلت” الألمانية الشهيرة في مقال لها بالصفحة الأولى بأنه “العدو الأبدي للسامية”، وهي التهمة الجاهزة لكل من يجاهر في الغرب برأي يغاير ما تريد أن تسمعه إسرائيل، أو يتحدث عن سيطرة أنصارها والموالين لها على صناعات ودوائر معينة، وبالذات ماله علاقة بتوجيه الرأي العام سواء في الإعلام أو صناعة السينما والترفيه.
أغلب المتحدثين باسم العواصم العالمية انتقدوا جراس، وحتى مؤسسة جوائز نوبل قالت كلمتها واستبعدت سحب الجائزة الممنوحة للرجل الذي اعتبرته تل أبيب شخصاً “غير مرغوب فيه”. والذي قال إن “على الإنسان ألا يموت دون أن يشارك في معركة، ولو كانت خاسرة، المهم أن يقول: “ما يجب أن يقال”. ولكن المسألة بالنسبة للطرف الآخر جولة جديدة لمواصلة ابتزاز ألمانيا والغرب والعالم بأسره، والعمل على حجب الحقيقة عن الناس في الغرب، الذين مهما بلغت قوة آلة الدعاية الإسرائيلية، سيجدون من يقول “ما يجب أن يقال”.


ali.alamodi@admedia.ae