منذ بدء التاريخ، وإيران المتكئة على خاصرة الخليج العربي شرقاً، والعلاقة الإنسانية والثقافية والاقتصادية بين الشعب العربي وشعب إيران تقوم على مبادئ حسن الجوار، واحترام مشاعر الآخرين، واعتبار إيران عمقاً عربياً في الشرق، واعتبار العرب عمقاً إيرانياً في الغرب، وامتدت الجذور وتلاقحت الثغور وعَمِرت الصدور بأجمل معاني التواصل بين الإنسان والإنسان، فلا أحد يستطيع أن يغير من ثيمة الجغرافيا، ولا أحد بإمكانه أن يسطو على خطوط الطول والعرض، التي سنتها الطبيعة، وصارت جزءاً لا يتجزأ من تضاريس المكان البشري، ولكن الذي يتغير أو يتطور إلى الأحسن أو إلى الأسوأ هي المشاعر الإنسانية التي تداهمها فجأة أيديولوجيات، وسياسات تصنيفية إقصائية عدائية لا يمكن أن تتعادل يوماً مع الطبيعة البشرية، التي أسست على مبادئ الأخلاق والأعراف والتاريخ التي سنتها الديانات السماوية، لكي يعيش الإنسان تحت سقف الأمن والأمان، وبلا أدران واحتقان وتراكمات تحقن القلوب بالضغائن، وتوغر الصدور بالأحقاد والمحن، وتملأ دروب التواصل بالأشواك والعقبات، وتحول الإنسان إلى كائن متوحش يفتش عن أعداء مفترضين ليثبت أنه موجود وأنه قوي، وأنه قادر على العيش من دون الآخرين، لأنه الكل الذي لا يتجزأ..
الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى المحتلة، توضح الصورة المعتمة لسياسة فرض الأمر الواقع، وتؤكد أن السياسة المبنية على قواعد أيديولوجية سوداوية، لا يمكن أن تخدم قضية السلام، ولا يمكن أن تقيم وئاماً بين الشعوب، ولا يمكن أن يصدق أحد جل شعاراتها المنبثقة عن هذه الأيديولوجيا.. فإيران دولة جارة، جارة في الجغرافيا، وجارة في التاريخ، لذلك فإن الخطوات التي تتبعها حكومة نجاد تجاه العلاقة مع الإمارات، لا تبشر بفجر حل قضية جزرنا المحتلة بطرق تحترم العقل، وتقدر معنى المواقف الإماراتية على مختلف الصعد، مع كل شعوب العالم، بلا تقصير ولا تبذير، وإيران تعرف أن الإمارات، بلد أسس على مبادئ السلام وأخلاق التعاضد والتعاون، وحل المعضلات التي تطرأ بين الدول، وإيران تعرف جيداً، أن التاريخ لا يهمل جغرافيته، وأن الجغرافيا لا تنسى تاريخ ارتكاب الأخطاء الكبرى، لذلك فإن الزيارات الاستفزازية والتصريحات اللامسؤولية، لن تغير من الواقع شيئاً على أرض جزرنا المحتلة، وإسرائيل قبل إيران فعلت ما فعلت بالأرض الفلسطينية والفلسطينيين، لكنها لم تستطع أن تغير مجرى التاريخ، ولا وجه الجغرافيا، حتى مستوطناتها ما هي إلا صور كرتونية لن ترشح واقعاً إنسانياً أبداً.. الأمر الذي يفرض على جارتنا المسلمة أن تعي جيداً درس التاريخ، والحضارات العظيمة لا تشيد على أركان الاغتصاب، ولا تبنى على طابوق احتلال أرض الغير، مصابيح الحضارة لا تشع إلا بما تقدمه هذه الحضارة من أواصر المحبة والخير للإنسانية جمعاء دون موازين مختلة.


marafea@emi.ae