كنت أحتار في معنى: “قال? ?يروض القول” التي كانت تقابلني في ديوان محمود سامي البارودي،? ?وكنت أقرأ كل قصيدة من هذا النوع كي أجد فيها تفسيرا من معنى مهيمن،? ?أو فكرة مؤثرة،? ?أو انفعال سائد،? ?ولكن لم أجد تفسيرا سوى أنها قصائد تؤدي وظيفة أشبه بوظيفة التسخين عند لاعبي الرياضة،? ?قبل المباريات الرسمية، أو أشبه بما? ?يسميه عازفو العود بالوزنة. ومعنى? ?يروض القول من معنى ترويض الخيل أو غيرها من أنواع الحيوان،? ?وظللت طويلا أعتقد أن هذه القصائد تجارب لا هدف منها سوى تجريب القدرة على النظام والحفاظ على مستوى الصنعة التي وصل إليها الشاعر تمكنا واقتدارا،? ?شأنها في ذلك شأن التدريبات التي يقوم بها الرياضيون كي? ?يظلوا على القدر نفسه من البراعة. وكان? ?يدعم هذا المعنى في ذهني دلالات اللفظ الذي ينطوي على التشبيه للشعر بالفرس البري الجموح الذي لا? ?ينقاد للشاعر إلا بعد أن? ?يروضه ويستأنسه إلى أن? ?يتمكن منه تماما،? ?فينطلق به في الوجهة التي? ?يريدها،? ?أو أي موضوع يشاء?. ? ومرت الأيام وكنت أتحدث مع الروائي الكبير فتحي? ?غانم عن أسرار الكتابة بوجه خاص،? ?وخصني بكثير من الدوافع الخاصة التي جعلته? ?يكتب روايات من طراز “الساخن والبارد?”، ?و”الجبل?”، ?و”زينب والعرش?”، ?وأخيرا “الرجل الذي فقد ظله?”. ?وكانت البداية هي إجابته عن سؤالي عن حقيقة شخصية المؤرخ في روايته “تلك الأيام?”. ?وكنت قد نشرت دراسة مطولة عنها أعجبته جدا?. ?وجلسنا نتحدث عن تلك الرواية ومعاصرته للفترة التاريخية التي ظهرت فيها شخصية الإرهاب،? ?أو تحول الاغتيال السياسي إلى وسيلة للقضاء على الخصوم السياسيين?. ?وحكى لي فتحى غانم أن اهتمامه بهذه المرحلة جاوز اهتمامه بشخصية منصور فهمي الذي أسقطت الجامعة درجة الدكتوراه التي حصل عليها من فرنسا،? ?فاجتمع الاهتمامان وتكونت رواية? “?تلك الأيام”، وتحول منصور فهمي إلى المؤرخ الذي عرف أن مجتمعه لن? ?يرضى له أن? ?يقول الحقيقة كاملة،? ?بل نصف الحقيقة فحسب?. ?وغرب بنا الحديث وشرق إلى أن سألته?: ?وماذا تفعل عندما تجلس إلى مكتبك لتكتب رواية،? ?بادئا أو حتى مستكملا ولا تجد في رأسك شيء؟ فقال لى: أضع رواية? “?البحث عن الزمن المفقود” لمارسيل بروست،? ?وأبدأ نسخها إلى أن أدخل في عالم السرد، وأنفعل مع فكرة السرد نفسها،? ?بعيدا عن مارسيل بروست،? ?وعندما تنبثق في داخلي رغبة الكتابة،? ?فأزيل الأوراق التي نسخت فيها مارسيل بروست وأواصل الكتابة،? ?سواء في الرواية التي لم أكملها أو أستهل قصة جديدة?. ?فقلت له?: ?كأنك تقوم في نسخ بروست بعملية تسخينها?. ?وحكيت له حكاية? “?وقال? ?يروض القول?” ?فضحك قائلا?: ?الأمر هكذا بالضبط?.?