يوم كان الإخوان المسلمون في الظل، أو في مخابئ الإقصاء القسري أو الطوعي، كانوا هم أسياد النقد الاجتماعي والسياسي، كانوا يمسكون بعجلة المواجهة، مستخدمين أشد الأسلحة فتكاً، وهي مشاعر الناس العاديين الذين يؤخذون بأسباب المظهر ولا يمكنهم التوغل في النسيج الداخلي لهذا التنظيم محكم الإغلاق.
كان الإخوان يقفون موقف الضد من كل ما يقدمه الواقع الاجتماعي والسياسي من معطيات، وكانت القضية المركزية بالنسبة للعربي، قضية فلسطين هي المطية التي يقف الإخوان على ظهرها، منادين الله أكبر.. القدس يناديكم يا عرب، وكانوا يصفون الأنظمة الحاكمة بالخيانة والتخلف عن ركب الجهاد من أجل تحرير فلسطين، وكانت أميركا الشيطان الأكبر، والعدو اللدود.
اليوم، وبعد أن انكشف غطاء القدر الذي فار ماؤه إلى درجة تناثر زبده في الجهات الأربع، أصبح الإخوان أمام الأمر الواقع، ولم يعد مكان لتبطين النوايا ولف الخفايا في قماشة النفاق السياسي، وأصبح المجال مفتوحاً أمام كشف عظائم الأمور التي كان الإخوان يدارونها لأجل القفز وتحقيق الأهداف الكبرى لتنظيمهم، وأولها الوصول إلى السلطة، الأمر الذي يفرض عليهم تجاهل ما كان من الأولويات، ومد اليد بيضاء من غير سوء لمن كان العدو لأن البراجماتية السياسية، والتي هي من البنود الأساسية لهذا التنظيم تحكم قبضتها على أي تحرك باتجاه الكرسي، وتملي شروطها على كل من يطمح إلى السلطة ولا يريد غيرها.
في هذه الورطة الدينية السياسية، يجد الإخوان أنفسهم في مواجهة صريحة وواضحة أمام من عصبوا عيونهم، وأعموهم عن الحقيقة وقالوا لهم نحن التنظيم المختار، نحن المخلِّصين والناهين عن المنكر والآمرين بالمعروف، نحن الوجه الآخر الناصح في مقابل الوجوه الأخرى القبيحة، نحن الذين سنضرب البحر بعصا الحقيقة لتمر جيوش المجاهدين نحو المسجد الأقصى، وكل هذا وبعد جاءت لحظة اليقين، وصار من الواجب الانقضاض على وليمة السلطة.
ذهبت كل تلك الشعارات جفاء، وشمر الإخوان السواعد، وعدوا القواعد واستعدوا للموائد، ولكسب الفوائد، ولتذهب جل الأحاديث السابقة إلى الجحيم، وكلام الأمس يمحوه اليوم، فهذه هي السياسية، فلا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، ولا شعارات ملزمة، ولا فتاوى جازمة، والثابت في البراجماتية السياسة هو فرض الأمر الواقع وتحقيق أهداف التنظيم، وأولها التربع على العرش وإزاحة الآخر بأي ثمن، “واللي يصير.. يصير”.
أما عن الذين سينتقدون هذه المواقف الرجراجة، فلا عليهم؛ لأنهم يعتبرون كل ذلك أضغاث أحلام في مقابل واقعية السلطة.

marafea@emi.ae