صورة الإنسان تتغير مع تغير طبيعة الأشياء من حوله، إن عقله يفرز إنزيمات جديدة بتجدد الحياة، وبتوفر معاني البهجة والاسترخاء بعيداً عن ضجيج العنف وبعيداً عن دوي الدماء المرتطمة بأسفلت العدم.. لو تذكرت الشابة الجميلة، شابانا فاضل، صورة أفغانستان قبل ثمانية عشر عاماً واستعادة تقليب الصورة مرات ومرات، ثم نظرت إلى محياها الأسيل، وهي في الثانية والعشرين، في ربوع لندن، ثم سألت والدها عن أخبار الأهل، والطير والشجر هناك، سوف يعقد حاجبيه، ويزم شفتيه، ثم ينظر إلى الفضاء العاري، ويقول بلهجة متكسرة، يا له من زمن.. ثم سيردف قائلاً: لو بقيت يا فتاتي الجميلة في أفغانستان إلى حتى الآن، ويستدرك.. هذا لو نجوت من حروب القبائل المدمرة ستكونين شيئاً آخر، وسيكون هذا الجينز المتلطف بجسدك الملائكي شيئاً من الخرافة، أما عن كونك تدخلين المنافسة في مسابقات ملكات جمال “لندن” فهذا أمر من أمور المستحيل.. ثم يضحك قائلاً: قد لا أكون مقتنعاً بمهمتك كأخصائية تجميل، ولا بدخولك هذه المنافسات، لكني كل ما أفخر به وأفرح له، هو الحالة اللندنية التي لا تقارن بشيء سوى بنفسها أما أفغانستان، فهو بلد حارب الإنجليز فانتصر، وحارب السوفييت فانهزموا مخذولين، لكنه لم يستطع أن ينتصر على القبليين، ولم يهزم الحقد ولم يظفر على تخلف المأزومين، بالتزمت والتعنت.
تبتسم شابانا، اللندنية العصرية، وتحدق في عيني والدها، وقد شابهما بياض الشيب، وغشاوة الحزن على فراق بلده أفغانستان الذي أجبر على مغادرته ليحفظ الود مع الحياة، ويحتفظ بقلبه قبل أن تمزقه أحقاد وتفرقه رماد، ويزمله سواد، ويرهقه حداد، ويبطش به أوغاد، وتقتله الحسرة على قيم إنسانية تباد، ولا يبقى له في الدنيا غير دمعة تجري وراء دمعة، بحثاً عن مكان تغسله من العبث والتلوث.
شابانا فاضل، تتذكر صوراً باهتة عن أفغانستان، ومشاهد شائهة لأنها غادرته قبل أن يشب لها جسد، وقبل أن تحدث عيناها في الفضاءات الوسيعة، لتقارن ما بين السواد والبياض، وما بين الحياة والموت، وما بين الفرح والحزن، وما بين الحب والحقد، وما بين القوة الوهمية والقوة الحقيقية، وما بين الإنسان والإنسان، عندما يكون الإنسان وحشاً كاسراً لا يعرف غير التوحش، وعندما يكون الإنسان جميلاً محباً للجمال في كل شيء، في الجماد والنبات والإنسان، فيخرج من بين ظهرانيه رجلا كشكسبير، ليكتب مسرحية الملحمية
روميو وجولييت.. التي يتحدث فيها عن الجمال قائلاً: هذه وردة.. سمِّها ما تشاء.
ستبقى عطرة..
فما فائدة الأسماء


marafea@emi.ae