في آخر مشاهد فيلم “الساموراي الأخير” الذي قام ببطولته توم كروز، نرى الجندي الذي انسلخ من شخصية الكابتن الأميركي الشرس، ودخل في عمق ذهنية وأخلاق محاربي الساموراي اليابانيين، يقدم سيف آخر زعماء هؤلاء المحاربين للإمبراطور، قائلا له “في هذا السيف يمكنك أن ترى دائماً حياة وموت الساموراي، هؤلاء المحاربين الذين حموا اليابان لآلاف السنين، “في اللحظة نفسها التي تسلم فيها السيف، التفت الإمبراطور لمن كانوا في مجلسه قائلا: ها نحن في اليابان قد بنينا مدناً حديثة، وصار لدينا ميترو، وثياب غربية، وأسلحة، لكننا يجب ألا ننسى من نحن ومن أين جئنا!
حين كان يكتب مذكراته، كان ذلك الجندي الأميركي يراقب بدقة طرائق معيشة وحياة قبيلة يابانية، كل رجالها من محاربي الساموراي، كتب يوماً “غريب أمر هؤلاء الذين ظننتهم أنهم متوحشون، يبدؤون يومهم منذ الصباح الباكر حريصين على أداء كل عمل بمنتهى الاتقان، وبأخلاق عالية لا تبارح الشرف والشجاعة، إنهم يقاتلون بشرف، ويموتون بشرف، فليس غريباً أن يكون تعني كلمة الساموراي الخدمة.
حين عاد أخي مؤخراً من اليابان، حكى لي مواقف وسلوكيات جعلتني أفكر ألف مرة في ضرورة زيارة اليابان، قال لي إن الياباني حين تسأله أو تطلب منها أن يدلك على مكان ما، فإن من أخلاقيات الثقافة الشعبية عنده أن يقدر لجوءك إليه فلا يدلك شفاهة، إنما يأخذك من يدك، ليقودك إلى المكان مباشرة، خاصة حين لا يبعد ذلك المكان كثيراً عن حيث يكون.
في مطعمها وقفت تستقبل زبائنها، كان الوقت مساء، وكنا جائعين – حكى أخي – دخلنا المطعم وطلبنا طاولة، اعتذرت المرأة بأدب ياباني جم، حنت رأسها واعتذرت، وهنا اشتغلت الثقافة العربية “عشان خاطرنا، نحن غرباء، نحن جائعون، سندفع أكثر و.... “ ببساطة أجابت المرأة: لا يوجد مكان لكن انتظرا لحظة، أشارت إليهما بأن يتبعاها، مشياً خلفها بلباسها التقليدي الكيمونو الزاهي وقبقابها الخشبي، عبرت الشارع، دخلت في ممرات ضيقة ولكنها بالتأكيد مرتبة ونظيفة جدا، وأخيراً توقفت، قالت: هذا مطعم جيد أثق به، وأنصحكما أن تأكلا عنده لن تندما، ثم انحنت ثانية، وغادرت بابتسامة وهدوء جم!
في الفندق، حيث سكن مع صديقه، نصحهما أحد الأصدقاء بالذهاب إلى مطعم يقدم السوشي بشكل مختلف، لم ينجحا في الوصول إلى المطعم، فسألا نادل الفندق، لم يكذب أو يدعي أنه لا يعرف المكان - ففي الخلق الياباني ذلك عار كبير - أشار إليهما فتبعاه حتى أوصلهما إلى المطعم، وعاد كما فعلت المرأة تماما.. إنها أخلاق الساموراي النبيلة.
اليابان بلد قائم على فلسفة معيشة، وحياة، وطريقة طعام، وعلاقات، الشاي مثلا لا يقدم كما اتفق، إنه أحد رموز الضيافة، له جلسته، أكوابه الخاصة، ومدارس تعلم الفتيات طرق تقديمه، وحين تدعى إلى ضيافة شاي فأنت ضيف مميز ومحتفى بك، كل حركة في مكانها، وكل سلوك لابد أن يسبقه أو يعقبه تلك الانحناءة، وعبارة “تفضل لو سمحت”، ولابد أن تعقبها “شكراً جزيلاً”، بهدوء وأدب ومن دون أصوات عالية، نحن نتحدث عن واحد من أكثر مجتمعات العالم تماهياً مع الاقتصاد الرقمي والمخترعات الحديثة، وليس عن قرية في جبال الهمالايا.


ayya-222@hotmail.com