هم من أتباع المدرسة الكلاسيكية القديمة، عاشوا ويتمنون أن يمضوا بقية حياتهم بطريقتهم التقليدية، وأن ما قضى على نشاطهم الذي كان يمشي بالبركة، ما استجد في العصر الرقمي من تدقيق وتعقيد وكله مكشوف وواضح للعيان على شاشات تتوهج أرقاماً، وتقدر أن تدخل عليها في أي لحظة، والمهم أنه بلا أوراق وختم وتصديق، وهذه مسألة تجعلهم يعضون أصابع الندم على زمن لن يتكرر.
لصوص ما قبل العصر الرقمي، هم أولئك الذين يحبون أن يكون درجاً واحداً في مكتبهم مفتوحاً قليلاً على الدوام وأثناء الدوام أو موارباً يوحي للمراجعين بأن الموظف من كثرة مشاغله نسيه مفتوحاً غير متعمد، والأمر فقط ليتسنى لربطة نقدية أن تندس فيه بسرعة بعيداً عن العيون أو يمكن أن توضع ورقة نقدية من العيار الثقيل ضمن معاملة يظل يقلب أوراقها، ويفلي تواقيعها حتى يتأكد من أنها سليمة - أقصد الورقة النقدية لا المعاملة - ثم يرمي بالملف في ذلك الدرج، يمكنه أن يتفاهم مع الفراش على تخليص معاملة بطريقة مسرحية، لا يفهمها إلا هو والفراش، ولا يتفرج عليها إلا صاحب المعاملة، أما بقية الموظفين والمراجعين والمسؤولين، فلكل منهم فراشه، ولعبته المسرحية، ومستواه “التمثيلي”.
لصوص ما قبل العصر الرقمي هم أولئك الذين يتعبون من البنوك العصرية وتعاملاتها الإلكترونية، وماكينات السحب الآلي، والشيكات الممغنطة، والترقيم الدولي”أي. سي. بي. ان”، والـ”بن كود” ليست هناك مساحة للتأمل الإنساني، ومد اليد الطويلة، وتوصية مدير الفرع، وديون دون ضمانات، وشركات وهمية، لا مدققين قانونيين، ولا إقرار بـ”الكاش فلو”.
لصوص ما قبل العصر الرقمي، هم أولئك الذين يفتحون محلاً، ولا يعترفون بالنقد الإلكتروني، يفرحون إن قدم زبون، فيتلقونه بصدر رحب، ويبالغون بفرحهم والتهليل لزيارته إن اشترى منهم، لكنهم ما أن يرونه يظهر سلاحه من بطاقات الائتمان كعادة في البلدان الراقية، امتعضوا، وبانت سنتهم الصفراء في الفك العلوي، متعللين بداية بأن البطاقة لا تعمل، فإن رأوا الزبون خجولاً ومرتبكاً، وسيدفع نقداً منعاً لإحراج التجربة الثانية، عادت الحياة لعروقهم، أما إن كان الزبون مصرّاً ويريد أن يفهم السبب، حذفوا المشكلة على الآلة التي يعانون منها ومن أعطالها التي لا تتوقف أو يتذمرون أن الخط المباشر مع البطاقة لا يعمل بصورة جيدة، وإذا كان من الممكن بطاقة أخرى ليجربوا من جديد كذباً، وكل ذلك لأن منظر النقدي أضمن، وأسهل، وفي متناول اليد، والعبث بأرقام حساباته، أما البطاقات فتدخل فيها بنوك ومعاملات إلكترونية مدققة، وأرقام بالفلس.
لصوص ما قبل العصر الرقمي، ظهر لهم منافسون جدد متأنقون ببدل سوداء، وشعرهم يلمع من الجل، ويحملون “عاروك فيه حواسب ذكية” ليس في وجوههم “خبطة مطوة، ضربة سكين قرن غزال، شَرّطة موس”!


amood8@yahoo.com