زمان كان يعرف عن الشعب المصري خفة الدم والنكتة والطرفة التلقائية، ولطالما تداول الناس تلك الطرف وضحكوا على سذاجة أو نباهة وسرعة بديهة الصعيدي، وفجأة لم نعد نسمع عن الصعيدي ربما بسبب غزو المدنية، وربما لأن الناس هناك انشغلوا بيوميات الثورة عن تأليف النكتة أو اختلاق المواقف الطريفة، مع أن النكتة لطالما كانت من بنات الهموم اليومية المرتبطة بحياة الناس ومعيشتهم لتساهم في تفريج الهموم والسخرية من الأوضاع القاسية.. غير أنه يبدو أن النكتة تطورت وتطورت وسائل انتقالها وظروف تأليفها كما يبدو، فالسعادة أصبحت مصدراً لتأليف النكتة.. ثم أن ظهور عائلة الهواتف التي توصف بأنها ذكية من بلاك بيري وآي فون وغيرهما ومن أتباعها وأبنائها من برودكاست وماسنجر وبي بي، منح الشباب الإماراتيين مساحة ووسيلة لإبراز ذكائهم ومواهبهم في تأليف النكتة والطرفة الارتجالية، وظهرت شخصيات محلية ظريفة وهمية مثل “المحشش وعزيزي وبووزار وفانيله” وغيرهم، وكلها شخصيات تتميز بسرعة البديهة وخفة الدم والذكاء الطريف.. كل ذلك دليل على خفة دم الشباب الإماراتي ومقدرته على سرعة تأليف واختراع المواقف التي تدل على النباهة وعلى سعة الأفق وخصوبة الخيال، لو وجهت تلك المواهب بشكل سليم أو تم استثمارها أو تبنيها لابد أن أحدا منها سيتبوأ مكانا في عالم الفن أو الأدب أو المسرح.. على أي حال فان استخدام أحدث تقنيات الاتصال ساهم في سرعة انتشار الطرفة الإماراتية ووصولها إلى أكبر عدد من القراء، بل وعبورها الحدود وعولمتها وانتشارها لدرجة أنه بات يمكن إخضاعها للدراسات الاستقصائية والبحوث التي يمكن الخروج منها باستنتاجات وإحصائيات عن حالة الإنسان الإماراتي ومدى صحته أو سعادته أو رضاه، وذلك في حد ذاته لا يهم لأن الدراسات أثبتت أن شعب الإمارات من أسعد شعوب العالم، غير أننا يجب أن ننتبه هنا، ويجب أن نفصل بين النكتة وبين السخرية، سواء من الآخرين أو حتى من أنفسنا، وهنا مكمن الإشكالية، ففي كثير من الأحيان تنتشر عبارات سمجة تسخر من المواطن ومن أبنائه وبناته، وتضعنا في مؤخرة الشعوب وهو حتما مخالف للواقع في كل الأحوال، مثل عبارات “فقط في الإمارات”، أو أي سخرية من الشاب أو الفتاة الإماراتية، وما قد يغيب عن كثيرين عندما يعيدون توجيه مثل تلك العبارات أنه يساعد في نشرها ووصولها وخروجها عبر الحدود الجغرافية، فنعطي الغير سببا للسخرية منا ونسيء بشكل أو بآخر لأبناء الوطن من غير أن نشعر أو نقصد.. bewaice@gmail.com