فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، فإن المسألة مهمة جدا وهي ملتبسة أيضا، كثيرون لن يوافقوا على هذا الرأي ولكننا لا نكتب لنستجذب رضا الجميع بقدر ما نكتب لنسلط الضوء على بعض الأفكار التي يتداولها البعض بصوت خافت فتبدو أعلى صوتا مما هي عليه، بصراحة حتى الرأي العام الذي يدعي مطالبته بديمقراطية المعلومة وحرية الرأي يمكن أن يقع في شرك التسلط والإرهاب والديكتاتورية، ويمكن أن يشكل سببا في خوف الكثيرين من إبداء آرائهم. يتداول الناس هذه الأيام نقاشات لم تظهر على صفحات صحفنا المحلية بعد فيما يخص موضوع حجب برنامج الكبيسي الذي تسبب في حجبه ذلك الرأي الذي أدلى به فيما يخص الخلاف بين سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والخليفة معاوية بن أبي سفيان، ما يتداوله البعض اليوم (همسا) أن يمنح الكبيسي فرصة العودة والنقاش حول القضية وأن مسألة النقاش الديني يجب أن تتوقف من منظور القداسة التي تحول دون الخوض في كل القضايا بحرية، وأن مسألة الفتنة عذر مستهلك يجب أن يتوقف عنه من يتشبث به. أولاً، أن يمنح الكبيسي فرصة الحديث وشرح وجهة نظره فهذه مسألة محسومة من ناحية أن هذا الرأي ليس طارئا أو مفاجئا أو وليد الساعة، فرأي الكبيسي في معاوية من المسلمات الفكرية التي يؤمن بها وليس لديه لبس أو تردد في الأمر حسب ما قرأت كثيرا حول هذه النقطة، أما أن يترك أمر الحديث في قضايا الدين والعقيدة في مجتمع مسلم كالإمارات لكل الناس على اعتباره وجهة النظر فهنا لابد من التوقف قليلا: فالدين ليس وجهة نظر أبدا، والخوف من الفتن ليس تشبثا بأعذار ولكنه درء لمفسدة حقيقية وجلب لمصلحة حقيقية أيضا. أمور كثيرة في الحياة وشؤون الناس والسياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام وحياة الأفراد في مجتمع يتعولم ويلج اقتصاد المعرفة ويعبر إلى ما بعد الحداثة دون أن يمر بالحداثة أساسا، وغيرها من الموضوعات التي تحتاج من الناس أن يناقشوها ويبدوا فيها وينظروا ويختلفوا ويتفلسفوا ويتقاطعوا ويتوازوا .. فلماذا علينا أن نترك كل ما يخص حياتنا ومصالحنا لنتطاول على مقامات الصحابة الذين نزل في كثير منهم قرآن يتلى وأحاديث كثيرة عن الرسول تنهي عن التعرض لهم والمساس بأطراف سيرهم لما لهم من فضل السبق والجهاد وحفظ الدين، هذه قضايا اذا لم نكن بقدر عصمة ألسنتنا منها فعلينا أن نتركها لأهلها حتى لا نتسبب لأنفسنا في فتن أشد من هذه الفتنة التي عصفت بالأمة بعد معركة الجمل وصفين والنهروان وغيرها فلماذا الإصرار على معارك أشد ضررا. نعم الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وكل الذين أيقظوا الفتن لم يجلبوا لمجتمعاتهم سوى القتل والتدمير والحروب الطائفية والكراهية والفرقة والشحناء والبغضاء والمزيد من الشتائم والسباب للصحابة والخلفاء، فأي حرية تعبير وأي حرية رأي هذه؟ من لا يمتلك علما يعينه على الخوض في مثل هذه القضايا الحساسة ومن لا يملك فقه المصلحة فعليه أن يشغل نفسه بما يهم الناس ومصالحهم الحياتية، احتراما لقاعدة التخصص، إن لم يكن توقيرا لرموز دينية لا يجوز المساس بها. لماذا ونحن نقف اليوم في موازاة إشكاليات كبيرة كالتقسيم والخلافات والثورات لا نجد سوى آثار فتنة كبرى حدثت منذ قرون وتسببت في انقسام الأمة، هل المطلوب المزيد من الانقسامات؟