أن تأتي متأخراً، أفضل من ألا تأتي أبداً، هذا هو الشعور الذي خالجني لحظة قراءتي للطبعة الثانية للأعمال الكاملة والسيرة الذاتية للشاعرة «فتاة العرب» عوشة بنت خليفة السويدي. وبالرغم من أن الشاعر الراحل حمد خليفة بوشهاب قد جمع وطبع ديواناً للشاعرة، إلا أن هذا العمل الذي قدمه خلف الحبتور جاء ليؤكد من جديد أن السويدي ليست مجرد شاعرة أحبت القصيدة وغنت للوطن، بل جاء توثيقاً لسيرة ذاتية وأدبية لواحدة سوف يتوقف أمامها المؤرخون كثيراً باعتبارها رائدة في هذا المجال. ومن الطبيعي أن يسعى الرجال في بلادنا لجمع ما أنتجته قريحتهم من أشعار، لكن من غير الطبيعي أن تكتب المرأة في الإمارات الشعر النبطي والفصيح، وأن تسعى أستاذة جامعية لجمع هذا الإنتاج الأدبي في كتاب؛ فـ«الأعمال الكاملة لعوشة السويدي» الذي جمعته رفيعة غباش يستحق القراءة، بل إنه يستحق الحفاوة حيث جمع بين السيرة الذاتية لفتاة العرب، والسيرة الشعرية التي امتدت على أكثر من 800 صفحة في كتاب شيق، ما يعكس مجهوداً تستحق عليه غباش والذين عملوا معها كل الشكر والتقدير، وذلك من كل الأجيال سواء الذين تابعوا أشعارها وقصائدها المغناة وغيرها، أو من الأجيال القادمة التي سيسرها أن الإمارات أنجبت شاعرة بحجم فتاة العرب. في الكتاب سوف تكتشف أن «فتاة العرب» رأت الرسول واثنين من خلفائه الراشدين في منامها، وأنها في رؤية أخرى رأت أنها ابتلعت القمر فبشرها صديق والدها بأنها سوف تصبح يوماً ذات شأن، سوف تكتشف أن «فتاة العرب» حفظت القرآن الكريم، وأن شعرها الذي يقطر إنسانية يؤرخ للعديد من الأحداث التي شهدتها منطقة الخليج. إن الجزء الخاص بالسيرة الذاتية لهذه السيدة يستحق أن يتحول لعمل فني يعرف الأجيال الشابة بأن رائدات الإمارات لسن أقل شأناً من رائدات عربيات أخريات حصلن على حقوقهن لقاء ما قدمن لوطنهن، مع مراعاة أن البيئة المحافظة التي نشأت فيها «فتاة العرب» تختلف كثيراً عن البيئة في البلاد العربية الأخرى التي كرمت المرأة، ومع هذا أجادت عوشة، فقد كتبت شعراً معبراً في أربعينيات القرن الماضي، بل إنها التحقت بكتاتيب المطاوعة في نهاية العشرينيات. والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تأخر هذا العمل إلى هذا الوقت؟ ألم يكن من الأجدر أن يتم توثيق وجمع أعمال الشاعرة قبل ذلك بكثير؟ وقبل أن تعتزم اعتزال الشعر بقصيدة رائعة هي «الغفران»، وكما قلت، أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً فأهلاً بـ«فتاة العرب» وشكراً للدكتورة رفيعة غباش.