ما هي العلاقة الأولى التي تشكلت بين البائع والشاري أو بين التاجر والزبون؟ لماذا يعتقد الشاري أن البائع سيغمطه حقه أو أنه سيحتال عليه ليأخذ منه أكثر مما يستحق؟ ولم يعتقد البائع أن الشاري يمكن أن يُضحك عليه بسهولة، ويمكن أن يمرط منه دراهم إضافية؟ لم يتصارع البائع والشاري على نصر يعتبر كل منهما أنه أحق به؟ عدم الثقة الأبدي هذا جعل بعض المجتمعات تسنّ القوانين وتراقب وتحاسب وتفرض ضرائب، وفي مجملها تقف في صف الشاري ضد البائع لأن صفة الجشع ملتصقة به. ومن هنا ونتيجة لهذه العلاقة التصادمية اليومية جاءت مفردات مثل التنزيلات، الحسومات، الخصومات، التصفية، بالعربية (على الرغم من أن معظم هذه المصطلحات لا سيما الحسم والخصم تشكل أخطاء لغوية لاستخدامها في غير مكانها)، و"الأوكازيون، والسولد وليكيداسيون" بالفرنسية، والـ"أوكازيوني" الإيطالية" والـ"سيل" الإنجليزية والـ"ريباخاس" الإسبانية.
كل تلك الكلمات يستعملها التجار في كل مكان لكسب الزبون، وزيادة مشترياته، وخاصة تلك التي لا يحتاج لها أصلاً، ولكي أيضاً يصرّف التجار بضاعاتهم البائرة والمنتهي وقتها، لذا تجد هجمة الناس على أي باب تاجر يعلق عليه شيئاً من تلك الكلمات التي تعني في مجملها الاستدراج، ومن تلك العلاقة بين التاجر والزبون ظهرت مصطلحات أخرى مثل "المساومة"، التي يريد الشاري بها أن يخفف من هزيمته النقدية وخسائره، معتقداً أنه سيضغط على التاجر، ويحاول أن يكسب منه ما استطاع، وقد يزعل الكثير من الزبائن حين يصطدمون ببعض العبارات المعلقة على جدران بعض المحلات كـ"السعر محدود"، فبعض الشعوب لا تحب المساومة، كالألمان والإنجليز في ماضيهم، ولايمكن أن يشتروا من تاجر لا يلصق سعراً على بضاعته، بعض الشعوب تجد النصب يجري في دمهم، ويمكن أن يرفعوا السعر بعد تفحص الزبون، وقراءة ملامح وجهه النفطي، فيبيعوه بسعر أعلى، خاصة أن كثيراً من الزبائن يخجلون من المساومة بأرقام كثيرة، ولم أجد مثل النساء حباً في المساومة والتشاطر على التاجر حتى تتصاعد العصارة الصفراء للتاجر، فيريد أن يتخلص منها بأقل الأضرار، ولن أذكر مثلاً لشعب عربي بعينه، لأن هناك الكثير من حراس مرمى الأوطان العربية عندنا، وأقول بديلاً عنهم الطليان والأتراك مثلاً، حتى شبهوا ذلك البيع، بالبيع في سوق السجاد "كاربت بازار".
طبعاً في المدن اختفى نوع من البيع، وهو البيع بالدين، وظل موجوداً في القرى حيث الحساب على البيدر، ووقت الحصاد، لذلك حينما هاجر تاجر القرية واستقر في المدينة، ولم يجد زبائنها كزبائن قريته الذين يعرفهم، ويعرف بيوتهم، كتب تلك اللافتة: الدين ممنوع، والعتب مرفوع، والرزق على الله.
في الحياة علاقة عدائية كعلاقة التاجر مع الشاري أو القط مع الفأر، والكلب مع السارق، والثعلب مع الدجاج، والذئب مع الغنم، ولن تنصلح تلك العلاقة مهما تجمل الثعلب، وتمسكن الذئب، وكان التاجر هاشاً باشاً، هي علاقة عدائية بحكم تضارب المصالح!


amood8@yahoo.com