يحدث القلم التغيير، يحدث الأثر، يحيل الواقع جنة أو يحيله جحيماً؛ فحين تحرك الأصابع القلم كي يخط، فإن هناك حياة تخط، أشياء تنبت وأشياء تتغير، أفكاراً جديدة تولد وتعاليم. في العالم الجديد، يقال إن القلم قد كسر، وإنه ذهب بعيداً عما ما هو جميل في الفعل اليومي، وأصبح في الغالب زينة في الجيوب، وكل ما يقوم به هو مهام ثانوية، وذلك لأن البدائل للقلم أصبحت كثيرة، ولم تعد مرتبطة بتحقق القلم بين الأصابع. فهل هذا الأمر صحيح؟ في المنطق لا يمكن نفي القلم مطلقاً، وإلى الأبد، لا يمكن كسره، ذلك لأن كل تطور تقني لا يمكنه نفي القلم، وكل ما يحدث هو تحقق دور جديد للفعل الأساسي الذي يقوم به القلم، وهو الكتابة، من هنا فإن كل شيء يحقق فعل الكتابة يمكننا أن نقول عنه قلماً؛ أي يمكن أن نقول على أصابع الكيبورد قلماً والصفحة البيضاء التي على جهاز الحاسوب هي الورقة البيضاء، وإحساس الأصابع على الكيبورد تكون ذاتها الأحاسيس على القلم، وهذا حين يتحقق التصالح مع التقنية الجديدة واعتبارها جزءاً من جماليات الحياة، حيث القلم يتحول ويتطور من خلال تلك الأشكال ليحقق فعل الكتابة. في حياتنا، الكثير من الكتاب الذين تحولوا تماماً إلى ممارسة الكتابة على الحاسوب، وهناك البعض الذين ما زالوا يصرون على الكتابة بالقلم التقليدي، وعلى الورق التقليدي، وهناك نوع ثالث من الكتاب يكتب في كلتا الحالين، وفي كلتا الحالين تتحقق له متعة الكتابة والشعور الجميل بحركة الأصابع على القلم، وهو يتحرك بينها من يمين الصفحة إلى يسارها ومن أعلاها إلى أسفلها مستمتعاً بالأفكار، وهي تنساب أمام عينيه حروفاً وكلمات وجملاً، وكذلك بحركة الأصابع العشرة على الكيبورد، وهي تتراقص على الحروف وبالكلمات والجمل، وهي تطبع على الصفحة الإلكترونية البيضاء. كلتا الحالين فيهما فعل جمالي وممتع، حين يصبح لفعل الكتابة بالقلم التقليدي على الورق التقليدي مزاج خاص، وكذلك لفعل الكتابة على الحاسوب مزاج خاص أيضاً. من ذلك يبرز على الفور أهمية أكثر عظمة من الأدوات ألا وهي فعل الكتابة نفسه، هذا الفعل الذي يجب ألا ينكسر في داخل المبدع، وأن يُعتنى به كثيراً بتنميته ودفعه نحو البراحات الرائعة في الحياة، حتى يجود بالجمال، ويقبض على الواقع، يفككه ويوقف لحظاته كي لا تمر سدى، ولكي يمكن رؤيته على مدى الأزمان، للاستفادة منه كتجارب أو الاستمتاع به كعمل إبداعي، ولكي يقول لنا عن المعنى الخفي في الوجود، ويكشف التشويه الذي جرى على الحياة. الوعي والنفس المفتوح والحرية غير المشروطة، هي السبيل إلى تحقيق هذا الفعل الجميل من الكتابة، وهذه شروط أساسية، ليس للتحايل على الواقع، بل للوقوف أمامه تماماً والرقص معه والتحديق في عينيه وروحه وتشريح كل التفاصيل بدقة الإبداع، حيث تسكن شرارات الجمال في الرأس والقلب والروح والجسد. saadjumah@hotmail.com