تأتي مناسبات دينية ووطنية، فتجد الناس، يستيقظون بعد غفلة على أجراس التنبيه العقلية، فيحطبون في غابة الاعداد لهذه المناسبة أو تلك يأخذون ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه، يكنزون الأكياس، بإحساس أن كل شيء إذا لم يتلقفونه في الآن نفسه فسوف ينفد وسوف يجف ريق الأسواق والمحال التجارية عن البلل.
نحن شعوب اللحظات الأخيرة، لا نخطط للغد، وإنما نترك للزمن خططه ليطوي سجل أيامه، وعندما تأتي اللحظة الحاسمة نكون قد تحزمنا بالقلق وتأزمنا، وتورمنا، واكفهرت وجوهنا وتزاحمنا في حشود أشبه بالحشر والنشر .. نحشر عواطفنا، وننشر مشاعرنا ونتجه إلى أمكنة الشراء، بنفوس تكتظ بالعصبية، والتشنج ونحن على استعداد أن نحارب العالم من أجل تمهيد الطريق، لشراء سلعة قد تكون تافهة لا تستحق كل هذا العناء، والشقاء، والابتلاء، والاكتواء، والازدراء، وحقن المشاعر، بكل هذه الفيروسات العصبية.
نحن في أمورنا كلها نعيش على حافة القلق، متجذرين في هوس الساعات الأخيرة، من النهار للحاق، بركب الذاهبين إلى توسيع رقعة الاستهلاك، مع كثير من التأفف وقليل جداً من التريث والصبر.
نحن نفعل ذلك لأننا لا نؤمن البتة بقيمة الزمن، ولا بأهمية دراسة ما نحتاجه، ولا بضرورة تفنيد الأولويات حسب إلحاحها. نحن نفعل ذلك لأننا نسكن في داخلنا كائناً عبثياً، فوضوياً محتالاً خيله جامحة دوماً باتجاه سباقات محسوم الفوز فيها لصالح الفشل في بناء علاقة شفافة مع الزمن. نحن نفعل ذلك لأننا لا نحترم التاريخ، فسجله مطوي في تجاويف النسيان ما نجعلنا نغط في الغيبوبة، ولا نصحوا إلا عندما نقرع أجراس اليقظة في اللحظات الأخيرة، فنقوم جاهمين، متوترين لاهثين مشحونين بنوازع عصبية فجّة مدمرة للذات وللآخر معاً.
نحن نفعل ذلك، لأننا نفكر دائماً كالأطفال، بأن كل شيء موجود وحتى وإن لم يوجد وما أن تأتي ساعة الصفر حتى نبدأ في الصراخ، ونوجه اللوم على الإنسان والشيطان، عدا أنفسنا فنعفيها من الأسباب والنتائج .. بسبب التوكل على اللحظات الأخيرة فنحن قد نخسر أنفسنا وأصدقاءنا وأولادنا وأسرنا لأننا لا نعترف بالوقت ولا نؤمن بقيمة الخطة المدروسة التي تضع أمامنا خريطة طريق نستعيد بها برمجة حياتنا ضمن أجندة علمية واضحة تشرح لنا خطوات العمل اليومي، والأسبوعي والشهري والسنوي، نحن لا نفعل ذلك، وإن فعله غيرنا سخرنا منه وضحكنا وقلنا هذا وسواس قهري، نحن لا نفعل ذلك ونحن نسبح في محيطات بلا شطآن، وإن غرقنا قلنا هذا بسبب الأمواج العالية، أو الريح العاصفة.
نحن في النهاية بحاجة إلى عملية جراحية تستأصل من أذهاننا عقلية اللامبالاة في الوقت.


Uae88999@gmail.com