بدا المكان بسيطاً على فخامته ورنين اسمه في عالم الفنادق العريقة، كما بدا الشباب الذين وقفوا لاستقبال ضيوف الحدث في غاية التهذيب والحيوية، دون أن تفارقهم تلك الابتسامة التي لازمتهم طيلة ذلك النهار الطويل المتعب لأول أيام منتدى الإعلام العربي، فمنذ أول صباح ذلك اليوم وهم يتوزعون داخل قاعات المناقشات والجلسات وخارجها دون كلل، وفي المساء بدوا وكأنهم بالكاد يباشرون يومهم، تلك همة يستحقون لأجلها التحية، عندما التأم الجمع كانت الساعة قد تجاوزت السابعة والنصف، كان الحضور نخبة مميزة من إعلاميي العرب والإمارات، اجتمعوا تحت مظلة (فكِّر، دبي)! فكِّر مثل دبي، وفكِّر لدبي وفكِّر مع دبي، وفكِّر كأنك دبي، العبارة ضيقة من كلمتين فقط، وحين تضيق العبارة تتسع الرؤية، تصير واسعة لا حدود لها مثل حلم أو مثل دبي، والفعالية كان قد أقامها المكتب الإعلامي لحكومة دبي لأول مرة ضمن فعاليات منتدى الإعلام.
الفكرة باختصار شديد هي الاسترخاء ومباشرة الحلم، في حيز صغير هادئ من العالم وعلى أرض دبي، وضمن صحبة متألقة ولامعة تشتغل بإنتاج الأفكار وابتكار الجديد، تقرأ كثيراً وتحلم أكثر، أليس هذا بالضبط ما يفعله الكتاب والإعلاميون طوال نهاراتهم وأعمارهم؟ بالفعل ليس هناك من يحلم ويعيد إنتاج أحلامه مثل الكتاب والإعلاميين على الرغم من أحزمة البؤس المحيطة والإحباطات التي لا تتوقف عن التوالد، ولذا كانت دعوة مديرة المكتب الإعلامي لحكومة دبي مبتدأ اللقاء أشبه بجسر عبور بين الحضور والفكرة، وبين اللحظة والحلم، فليس مطلوباً من الحضور أن يفكروا بوصفهم رجال استراتيجيات حكومية أو مستشارين اقتصاديين، المطلوب أن يطلقوا العنان لشهية الحلم في دواخلهم وكفى!
يقال إن الجاحظ قال منذ زمن بعيد إن “الأفكار ملقاة على قارعة الطريق لكنها بحاجة لمن يلتقطها”، فكل شخص يتحرك في فضاء الطريق، الشارع، المؤسسة، المقهى، أي فضاء، لا بد أنه يحمل الكثير في رأسه، هذا الكثير عبارة عن خليط من كل شيء، من الأفكار، الأحلام، الهواجس، المخاوف، الشكوك، الرغبات، القناعات، التوجهات، الأسئلة الكبرى والأسئلة التافهة، وليس علينا سوى أن ننصت له ونحفزه ونمنحه الحرية كاملة ليطلق ما بداخله، فكيف إذا كان كاتباً أو مفكراً؟ في تلك الأمسية، كان الموجودون إعلاميين مميزين من كل بلاد العرب، أصحاب تجارب عميقة وأسماء كبيرة جلسوا معاً وأطلقوا قاموس الكلام وشهية الحلم لديهم، فحتى الذين تمترسوا خلف المنطق والعقل الذي يرفض كذا ولا يقبل كذا، انصاعوا لمنطق الحلم وأطلقوا مشاريعهم في سماء ذلك المكان الهادئ جداً، لماذا الحلم؟
لأن الأحلام مشروعة، ولأن كل مشروع تحقق على أرض الواقع كانت بدايته حلماً في ضمير أحدهم، في ضمير مهندس مغامر أو فنان مجنون أو رجل أعمال جسور أو مدينة تسكن المستقبل مثل دبي ومدن كثيرة، ولذا فإن كل الأحلام التي أطلقها الزملاء الإعلاميون في ذلك المساء تم الاحتفاء بها، فلا تتفاجأوا إذا جاء يوم بعد عشرة أعوام أو أقل حاملاً مشروعاً مجسداً على أرض دبي من روح تلك الأحلام، لا تتفاجأوا إذا وجدتم دبي مركزاً لكبريات مؤسسات الصيرفة الإسلامية على مستوى العالم أو مركزاً لسياحة الفضاء أو قاعدة لأكبر مدينة عالمية لإنتاج المواد (الحلال) أو ... أو ...، فدبي حلمت أن تبني أعلى ناطحة سحاب في العالم، وحين صحت كان الحلم قد تحقق!


ayya-222@hotmail.com