هناك من ربات الحجال، وربات البيوت المتخصصات في مشاهدة الحلقات الطويلة من المسلسلات التركية، ومن قبلها المكسيكية، والآن الهندية المتحدثة باللهجة الكويتية أو الكورية، والصينية باللهجة المصرية، يظهر الممثل تقول يتحدث في “طوي”، فالشكل هندي “خكاك على ربعه”، والصوت المتزامن معه صوت ممثل كويتي مبتدئ، لديه نزعة عنجهية لا تتناسب وطموحات تلك الشخصية الهندية، أو شخصية كورية، يبدو عليها الالتزام، والطموح العلمي، والحديث لممثل مصري من “فتوات بولاق” بصوته الأجش، ليس هذا الموضوع، الموضوع هو الشفقة على الزوجات الباكيات “الحب الضائع” أو “الحصاد المرّ” أو “عواء الذئاب في الوادي الأجرد”، يبقين بالساعات متسمرات أمام الشاشة فاغرات الأفواه، ناسيات أن لهن أولاداً، وأن هناك أواني تغلي على الفرن، وأن ليست كل الأعمال يمكن أن تنجزها الشغالات، ساعات لمشاهدة الحلقة الجديدة، وساعات لإعادة مشاهدة الحلقة القديمة، وساعات للدردشة مع الصديقات عن سير الحلقات، والتوقعات بالهجر والحرمان، وإمكانية الخيانة، ومشروع للقتل في العائلة، وما إلى هنالك مما تطرحه تلك المسلسلات التي تتسلى بها البيوت العربية، والدمع عند ربات المسلسلات هو الدمع، بحيث لا تقدر أن تفرق بين دموع التماسيح من تلك الممثلة التي تندب حظها تحت المطر، ودموع أم راشد “اللي مخرس برقعها”، “خير يا أم راشد إن شاء الله ما حدث مكروه، وإلا غاب أحد من الأهل”، أم راشد ورفيقاتها يبكين حظوظهن، وبرودة مشاعر أزواجهن، وغياب الرومانسية من حياتهن، لذا يبقين ساهمات شاردات مسبلات العيون، متعلقات بأحلام وردية يتمنين أن يسمعنها من مهند وأشباهه وأشكاله الذي يغير ملابسه في كل حين، وكل شيء ماشي على الموضة، ومع “الكاست” وفي أدق تفاصيل المشهد التمثيلي، وحين يأتي الأزواج في “الواقع” مهدودين من العمل، وزحمة الشوارع في ساعات الذروة، ومن “السيستم اللي ما يوقف من الخراب، ومن اللو داون”، ومن متطلبات الحياة، وفواتير الهواتف الزائدة، وفواتير الكهرباء والماء التقديرية المثقلة، ومن ديون لا يبدو أنها ستنتهي من البنوك “الإسلامية” أو البنوك “الربوية”، يدخل الواحد منهم، وأول شيء يفعله يطوح بغترته وعقاله من بعيد، ويسأل عن الغداء قبل أن يسأل عن عياله، وما فعلوا في المدرسة، تجلس الزوجة، وعيونها تتهامل، وتبربش بها، وكأنها “طرفشانه”، منتظرة كلمة حلوة، وعبارة رومانسية من التي تكثر في الإنترنت، ويتبادلها الناس عادة مع بطاقات فيها ورود زهرية غير متناسقة وساذجة، والزوج المكدود خبر خير، تتخطر بثوبها الجديد، وهو لا يلمحه، تضع عطراً غالياً، وهو يتنشق كل حين، يريد أن يعرف مصدر الرائحة، تتعب أم راشد وأخواتها، لأن الأزواج بعد الغداء يخرّون في سبات عميق، وبعد المغرب، ولكي تذهب عنه كآبة نومة العصر، ينطلق إلى أصدقائه، ولا يبق مع ربات البيوت إلا رومانسية مسلسلات طويلة وحالمة، ولا تنتهي!


amood8@yahoo.com