إذا أردت أن تجري دراسة نفسية وتعرف من هو الأناني، فعليك الوقوف متأملاً بالقرب من المواقف التي تقبع تحت البنايات.. في هذه الأمكنة سترى العجب العجاب، وما يثير الغضب والاكتئاب، سترى رجلاً يعرف أن آخر ينتظر خروجه من الموقف، بينما هو فتح باب سيارته وأدلى ساقه خارج السيارة، وانهمك في محادثة هاتفية مطولة قد تستغرق أكثر من ربع ساعة، والآخر ينتظر بحرقة وشوق، وهو يرى الموقف شبه خال، لكنه لا يستطيع الوصول إليه لأن سائق السيارة لم يجد مكاناً للفضفضة سوى هذا المكان الذي أصبح شريان حياة، وعنق زجاجة الكل يتلهف للولوج فيه بعد عناء وبحث وشقاء واستدارة حتى المواقف لوقت طويل..
وقد ترى سائقاً آخر، يجلس متربعاً في سيارته فاتحاً الباب الأمامي، ويتحدث مع سائق آخر عن الأرقام المميزة بطلاقة ويعرف أن هُناك من ينتظر خروجه من هذا المكان ليحل محله، ولكن لا جدوى من الانتظار، فهو الآن الملك المتوج في هذا الموقف، وعليه فإنه يمارس أنانيته بفجاجة، ولا يسعه إلا أن ينظر بعين إلى ذلك الكائن المعذب المنتظر، ويرشقه بابتسامة باهتة ثم يشيح عنه بلا مبالاة.. وقد تجد سائقاً يصف سيارته خلف سيارات أخرى، ويذهب إلى مرعاه، ثم يعود بعد حين، مبتسماً ببرود ولا سلام عليكم ولا حتى آسف ويستقل سيارته منطلقاً إلى هواه، ولا يشعر بما سببه للآخرين الذين حبسهم ووضعهم تحت رحمته إلى أن غادر المكان بلا تأنيب ولا تهذيب..
وشخص يعرف أنك في انتظار خروج سيارة من الموقف، لكنه بقدرة قادر يأتي من بعيد فينسل مختبئاً في المكان منقضاً على حق ليس من حقه متجاهلاً وجودك القلق ويمضي إلى حيث يريد، بينما تظل أنت المنتظر أنت المحتضر تختصر غيظك بتشييع آهة حارقة، وهذه أقصى ما يمكن أن تفعله أمام من نسي أخلاقه عند قارعة ضمير ميت، وخرج إلى الشارع مستعداً للغوغاء ليرضي ذلك الكائن الأناني في داخله.
شخص يوقف سيارته في شارع ضيق لا يحتمل مرور أكثر من سيارة واحدة، ولكن الحبيب استهواه عنوان كتب على لوحة في الشارع ففكر وأصر على أن يعرف مكنون العنوان، وترك الناس من خلفه يزعقون ويشدون من أعصاب تلفت بعد كلف، ويحاولون إقناعه أن المكان والوقت ليسا مكاناً ووقتاً للقراءة، ولكن دون جدوى وبعد أن ينتهي “الأناني” من الفحص والتمحيص للعنوان يتحرَّك رافعاً يده متذمراً من الإزعاج الذي سببه الآخرون الذين لم يدعوه يكمل آخر السطر.
وهكذا نماذج بشرية مؤذية لوجدان الناس، متسببة في كثير من الأحيان بأحداث وحوادث وأحاديث هذه النماذج تعبر عن أنانية وتصرفات نرجسية لا تمت إلى الأخلاق الإنسانية بصلة وإنما هي حديث داخلي بدائي مريض يحتاج إلى إعادة صياغة للشخصية وترتيب مشاعرها بحيث تتخلص من هذه الأدران المؤسفة.


marafea@emi.ae