لغتنا لغة الضاد، ضد كل ما هو ميت ومستكين، ضد كل ما هو متفش خارج الضبوع والنبوع، وضد كل ماهو حالك وهالك، وشائك لأنها لغة الحياة، لغة الماء وما أحيا وما أبقى، لغة الإنسانية التي أشرقت على وجهنا أشعة الشمس، فتنفست الفلسفة وجوداً كونياً، يانعاً يافعاً ساطعاً لامعاً، مهيمناً على الكائنات الحية.
لغتنا العربية هي اللغة بالغة النبوغ والبلوغ، هي سطوة الفكرة ونخوة البصيرة، وصبوة القلب وأحلام الخروج من شرانق الكهوف والحتوف والكفوف الغليظة الفظة، هي لغة أسست للإنسانية المعنى ومفردة التلاقي، والمجادلة الحسنى، وتبييض الأفق بحيث صار فضاء نجومه آيات كريمة، ملأت الأصقاع بأصداء تحرك مكامن العقل، وتذيب شحمة القلب خشوعاً وهجوعاً، وركوعاً.
لغتنا العربية هي المنال والمنوال والموال، وعظمة السؤال، وتلاقح الأحوال، هي الفتنة اللذيذة، هي ورطة اللسان العربي الأنيقة في المعاني والدلالات، واحتضنته الجملة من ثمرات البلاغة والصياغة وما اشتاقت إليه النفوس من تصاوير ومحسنات بديعية، وما غرد به السجاعون من ألحان طروبة عذبة بعذوبة الماء الرقراق، والنبع الدفاق، وما طوقت به المعاني قلوب العاشقين، حين استفحل الشعر، واستعجلت الكلمات في حياكة نسيج الرواية والحكاية منذ بدء البزوغ.
لغتنا العربية، هي وحدة الأغصان على قمم الشجر، هي فاتحة الأبجدية، وضمة الحروف، هي اللحن والفن والشجن، هي سفينة الميناء التي عبرت بحاراً ومحيطات، وواصلت نحو التخوم محتسية من عِذاب المعاني الجميلة، والأماني النبيلة، وما ازدهر في أفئدة الحادبين نحو أعشاب الحياة، الغارفين من كنوز الإرث الأصيل، متفرقين في نشوة الانتماء إلى الكون، كل الكون، وبالقرطاس والقلم جاش الألم اللذيذ، منبسطاً على التضاريس وعياً واستيعاباً، واستتباباً، واستقطاباً، وشهاباً قرآنياً، كريماً حليماً عظيماً. لغتنا العربية، لغة الشرح والفرح، لغة البوح والفوح، لغتنا لغة بعظمة النجوم والكواكب، بغنى المزن السواكب، بثراء الحُلم وما أبدته المناقب، شاسعة واسعة، رائعة بروعة الترتيل، والتسبيح على لسان الطير والشجر والحجر. لغتنا تحتاج منّا صون الأمانة برزانة، والامتزاج مع الآخر دون الذوبان، أو الصخور أو التلاشي في جلابيب الفذلكة، والمماحكة العشوائية التي تطير معها الفتحة والضمة والكسرة، وتتقهقر الحروف، منقلبة على نفسها بلسان غرائبي، مشوب بطرائق وحرائق وشقائق واشتقاقات، لا يعرفها إلا هدهد سليمان.
لغتنا العربية تحتاج منّا أن نتخلص من عقد الدونية ومركبات النقص، وأن نحميها من نقيق الضفادع، وما دار على ألسن الموج منطقها، وغشيها ما غشيها من لواعج الانزلاق الغضروفي، وأحلام ما بعد الحداثة.
لغتنا تحتاج منّا استدعاء الوعي بأهميتها عند كل رسالة، نود أن نبعث بها إلى العالم؛ لأنها لغة لا تقبل التمزيق والتفريق، وحرق المراحل التاريخية على حساب لغتنا العربية.



Uae88999@gmail.com