حين أودعوه في المدرسة الابتدائية كان قدره أن يبدأ في فصل المتخلفين عقلياً، ليس لأنه متخلف عقليا ولكن فقط لأنه لا يجيد اللغة الإيطالية، هذه حكاية كاتب أميركي من أصول إيطالية يحكيها في كتاب لخص فيه تجربته الحياتية وكيف دفعته هذه التجربة القاسية إلى اختيار تخصص التربية فيما بعد حين صار طالبا جامعيا، تحدث بشيء من التفصيل عن البطاقات الجاهزة التي كانت تجهزها المعلمة وتلصقها على ظهر التلميذ عقابا له، لكنها دون أن تدري تلصق به صفة ستظل تلازمه طيلة طفولته، في الحقيقة لقد تذكرت أن بعض المعلمات كانوا يفعلون السلوك المتخلف نفسه مع الكثير من الطالبات يوم كنا في المدرسة الابتدائية !!
اليوم نقوم نحن كأشخاص ناضجين بإلصاق صفة ما بإنسان دون أن نتساءل ماذا نعرف عن حقيقته كي نصفه بهذه الصفة نحن الذين لم نتوقف لحظة وننتبه إلى أن هناك أشياء جميلة جدا بداخله لو إننا دققنا قليلا ومنحنا أنفسنا فرصة معرفته جيدا، أشياء ربما تدهشنا حين نقارنها بالجزء الضيق الذي يظهر لنا من شخصيته. ?كتب الدكتور ليو في كتابه: “تذكّرت عبارة كتبها على إحدى أوراق إجابة واحدة من طالباته يقول فيها: ورقتك ممتازة، تدل على إدراك مميز، وعلى دقة وذكاء واضحين، إنها تكشف عن مقدرتك على استخدام خبرتك المكتسبة من حياتك الحقيقية هذا بحق جهد طيب !!? حين وصله خبر موتها تساءل: ماذا أعرف أنا عن حياتها الحقيقية التي لم أكلف نفسي عناء السؤال عنها؟
نعم، إن الجانب الضيق هو فقط ما يظهر لنا في شخصيات تبدو شديدة القرب منا، لكن ذلك السؤال دفع بالمؤلف لأن يقوم بتأسيس فصل دراسي في الجامعة يُتاح فيه للطلاب من جميع المراحل وحتى من خارج الجامعة الانضمام له أو الانسحاب منه في أي وقت يشاؤون، يتيح لهم فرصة اكتشاف الأشياء الجميلة في العالم من حولهم وخاصة أولئك الأشخاص القريبين منهم كأصدقائهم وزملائهم وقبل أي أحد آخر يكتشفون أنفسهم، حيث تكمن مشكلة الإنسان الكبرى!
أجد أحيانا أسئلة بعض الشباب في المواقع الإلكترونية جديرة بالتوقف عندها، فهي تكشف قدرا هائلا من الذكاء وسرعة البديهة يفوق ما يمكن أن نراه أو نسميه ظاهريا بالمزاح وروح النكتة، فأحد هؤلاء سأل:لماذا يبدو كل الناس في “تويتر” طيبين أين ذهب الشريرون إذن مع أنني لا أرى في الحياة إلا أناسا يشتمون بعضا ويتصارعون على المناصب وأموال الميراث والفتيات الفاتنات وحتى على مواقف السيارات يتنافس الناس، ما بالهم هنا طيبون أكثر من اللازم؟
الناس تمارس دور الممثلين (البعض) فيقومون بأدوار الفرسان النبلاء، بينما الذين يتعاملون معهم يصدقونهم للأسف، ويعتبرون ما يرونه أو يتعاملون معه هي الشخصيات الحقيقية، الإنترنت فضاء كبير وخصب لتزوير الشخصيات والأسماء الملامح، ثم تتحدث إلى أحدهم فيصف لك “فلان أو فلانة بأنه شخصية عظيمة في الحقيقة” بينما لم ير هو من الحقيقة سوى ذلك القناع؟
ذكر الكاتب في إحدى الصفحات أنه لطالما تحدث عن طلابه بأنه شباب واع ومنتم لقضايا عصره ولديهم نوازع خير واضحة وميل فعلي للتطوع والمساعدة، وحين اختبرهم في بضعة أموال كيف سيوزعونها على مشروع رياضي يخصهم أو على طالب مسكين محتاج لبعثة دراسية أو لضحايا الفيضان وجد أن 12 % منهم فقط أبدوا استعدادهم لمساعدة ضحايا الفيضان.


ayya-222@hotmail.com