ما هذا الذي حدث في سنة واحدة، وأقل منها في وطننا العربي، يكاد البعض من الدهشة غير مصدق، وكأن ما مر بنا في تلك الأشهر القليلة والعصيبة شيء من حلم، من بيننا مصدق، ومكذب ما جرى، خاصة نحن المعاصرين منذ الستينيات، حيث لا حراك إلا ما يقوم به العسكر من تحريك دباباتهم من ثكناتها إلى القصر الرئاسي، والإذاعة الوطنية أو التغييرات ضمن نطاق الأسرة أو الاغتيالات ضمن الحزب الواحد.
اليوم نصحو على حلم، معتقدين أن الأمور تجري على حالها، فنتفاجأ أن زعيم زعماء الأمة “الريس” حسني مبارك خارج كل الحسابات، ومعه فريقه العسكري، والعائلة “المالكة”، والفريق الاقتصادي الفاسد، ولا جلال للخدمة العسكرية الطويلة، ولا لنياشين الحروب، ولا لسنوات حكم مصر، ولا لتعب مشاوير المواصلات والمراسلات مع أميركا.
الأخ العقيد علي عبدالله صالح، يعود كمواطن عادي لليمن بعد ما غطست” اليمنان” سنوات كثيرة في سبات الفقر بسبب حكم العسكر، وغياب تام للتنمية لن تخرج منه اليمن إلا إذا استوعبتها دول مجلس التعاون الخليجي كجزء من حساباتها الاستراتيجية، وتوازنها الديموغرافي. زين الشباب، زين العابدين بن علي الذي كان وزيراً لداخلية تونس لا رئيسها، والذي لم يكن يخرج من تونس حتى لحضور مؤتمرات القمة العربية، يخرج منها هارباً، فاراً بجلده.
العقيد الثائر المناضل القذافي، مالئ الدنيا بغرائبه، وشاغل الناس بأمواله وأقواله، مصدر شغب محلي، وعربي وعالمي، يذهب لحتفه الأخير دونما حتى كرامة لميت أو كرامة لزعيم قد تكون نياته حسنة.
سوريا الأسد، سوريا البعث، سوريا المقاومة، سوريا التصدي، سوريا ظهر الأمة، وحاضنة العروبة، وغير ذلك من أقاويل دفع المواطن السوري ضرائبها من قوته ومسرته وتنميته، ودفع المواطن العربي جبايتها من عواطفه وصدق مشاعره وأمواله، لأول مرة منذ أربعين سنة سورية، يكسر الناس حاجز الصمت والخوف والرهبة من “أحذية العسكر الخشنة”، وكلمة السياسة والسلطة، ونغمة “هيدا واصل” التي تعني كسر القانون، ولا يرد إن سمع كلمة “أزعر” لقد خرج يسبقه نعش موته، فقط لأنه شعر أن الظلم أصبح كبيراً وخانقاً ويمس الشرف.
لقد مرت سنة، كانت تعد ليست بالطويلة في مشاريع التنمية العربية، فبعض الجسور ظلت تبنى بعرق المواطنين، وفرح المسؤولين المرتشين، ولا تنتهي، بعض مصانع السكر تسلمت الدول الثورية أثمانها مضاعفة من دول النفط، فلا مصنع قام، ولا استطعم المواطن طعم السكر، مشاريع كان يرى المواطن العربي الفريق الدفّيع، وفريق المنتفعين ساعة قص شريط الافتتاح أو التدشين أو وضع حجر الأساس، والحقيقة أن لا أساس على حجر قام، ولا شريط الإنجاز والدهشة قص ليفرح المواطن العربي الذي احتقن.. واحتقن حتى فجّر نفسه في سنة كانت كافية.. ووافية للإطاحة بالعسكريتاريا المحلية!


amood8@yahoo.com