يجب عدم إنكار بعض الأمور، الإنكار لا يفيد شيئاً، عبارة يكررها المحققون في أقسام الشرطة على الأشخاص الذين يحققون معهم وهم في الطريق بين الاتهام والإدانة، نحن اليوم لا ندين ولا نتهم، لكننا نستعير العبارة لنؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي، وأرجو أن لا يتهمني أحد بأن لي أسهماً فيها، فأنا لا أروج لها هنا، بل أرصد ظاهرة اجتماعية إعلامية تواصلية خلاصتها أن الناس في المجتمع صاروا يتحدثون مع بعضهم أكثر من قبل بسبب تويتر - تحديداً - ويتعرفون إلى بعضهم أكثر، ويعدون صلات جميلة وقوية من خلال هذا الموقع، ولهذا الموقع الفضل في بناء جسور من العلاقات القوية بين أجيال مختلفة، وأسماء كبيرة وشخصيات عامة ورموز فكرية وثقافية، وفي وقت قصير جداً.
لفت نظري بشكل كبير حين كنت في معرض أبوظبي للكتاب مساء الخميس، أن معظم الذين التقيتهم هناك كانوا من آل “تويتر” إذا جاز استخدام هذا المصطلح، معظم الذين تعارفوا أو عرفوا عن أنفسهم كانت تسبقهم عبارة “معاً على تويتر”، إذن فقد صار للناس مجلس عام يلتقون فيه يسعهم جميعاً وطوال اليوم، تلك ظاهرة اتصالية بامتياز يعرفها أهل الإعلام بظاهرة الاتصال الجماهيري، ويتحدث عنها علماء كبار باعتبارها التواصل ضمن فضاء عام مفتوح باشتراطات محددة، أهمها الحرية والمستوى الثقافي.
ما يخدش من شرط الحرية في “تويتر” أمران، أولهما إلقاء التهم الخطيرة جداً بسهولة كبيرة من قبل أشخاص، الكل يتساءل من هم هؤلاء الذين يظهرون فجأة ويفتحون ملفات مريبة للبعض، بحيث يقف الناس حائرون يتساءلون: فلان هذا من يكون؟ هل هذه التهم صحيحة؟ حقيقية؟ أم أنها مجرد تهم عشوائية لا تفعل شيئاً سوى إثارة الغبار والترهيب والتشكيك؟ وقبل أن يجيب أحدكم بأي إجابة، أرجو أن نتذكر المبدأ القانوني: كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته وليس العكس أبداً، فالعكس هو ما يحدث في أنظمة القمع.
إن كشف الأشخاص والتحقيق معهم وإدانتهم بصوت عال وعلى مرأى ومسمع من المجتمع، أمر لا بد أن يسبقه ثبوت التهم بشكل صريح وإجراءات قانونية لا تقبل النقض، ولدينا في الدولة من الدوائر والمؤسسات والإجراءات ما يضمن سير القضايا في هذا الطريق بشكل يحقق العدالة ويحمي أمن ومصالح المجتمع، أما أن تساق التهم والشتائم بالجملة والمفرق، كما يقول أهل التجارة، دون أن ندري ما هي الحكاية من البداية، فأمر يخيفنا ويرعبنا ويطرح في رؤوسنا ألف سؤال مبهم، دون أن يعني هذا الكلام أي دفاع عن أحد أو أي هجوم على أحد، نحن هنا نتحدث عن المبدأ، رغبة في التأصيل العلمي والمنهجي في التواصل الاجتماعي عبر هذه التقنية الحديثة.
الأمر الثاني يتصل بمسألة الخلط بين العام والخاص، حدود الحرية في تناول قضايا حساسة جداً بشكل علني، الحدود الفاصلة بين المصلحة العامة والقومية وموضوع الشفافية، هذا الخلط لا بد أن يتم الفصل فيه بشكل واضح أولاً، وأن يكون معلوماً للجميع أن “تويتر” والمنتديات العامة ليست المكان الملائم والصحيح والمناسب لإدارة شؤون المجتمع ومصالحه، وهذا بحاجة إلى وقفة متأنية، تقام فيها حدود المصالح بشكل شديد الوضوح بين مصلحة المجتمع ومصالح الناس، بين أمن الوطن واستحقاقات الحريات العامة، بعد ذلك، فإن “تويتر” ساحة ممتعة ومساحة حرة مفضلة لنا جميعاً، لكن دون خلط أو انتهاكات.


ayya-222@hotmail.com