يقال إن رضا الناس غاية لا تدرك، كالراكض خلف ماء سراب لا يمسك، فإن أقمت عرساً خيالياً في أكثر الفنادق فخامة ونجوما، وزرعت زرافات مستقبلي الضيوف ومودعيهم ذهاباً وقدوماً، ونقشت بطاقات الدعوة بماء الذهب، ووشيتها بأروع عبارات الترحيب والأدب، وألبست العروس اللؤلؤ والمرجان الطبيعي والمصنّع حسب الذوق والطلب، وأحييت حفلاً صاخباً حافلاً بأروع اللوحات والألوان، واستقدمت الفرق من شتى البقاع والبلدان، وقدمت ما لذ وطاب، من أطايب الطعام والشراب، وحلّيت الأفواه بالحلويات والنشويات والمكسرات، من بلاد الواق واق مستوردات، وبذلت كل ما في جيبك واقترضت الآلاف والملايين، وراكمت على كاهلك الديون، ما يدمي القلب ويبكي العيون، وكتبت على نفسك الصكوك، فإن الناس لن يتركوك، وبسيوف النقد سيذبحوك، وبحجارة السخط سيرجموك. سُئِل ابن المقفَّع ما البلاغة؟ قال: البلاغة اسمٌ جامع لمعانٍ تجري في وجوهٍ كثيرة، فمنها ما يكون في السُّكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون جواباً، ومنها ما يكون ابتداءً، ومنها ما يكون شعراً، ومنها ما يكون سَجعْاً وخُطباً، ومنها ما يكون رسائل، فعامّةُ ما يكون من هذه الأبواب الوحي فيها، والإشارة إلى المعنى، والإيجاز، هو البلاغة. فأمّا الخُطَب، وفي إصلاح ذاتِ البَين، فالإكثارُ في غير خَطَل، والإطالة في غير إملال، وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك، كما أنَّ خيرَ أبيات الشعر البيت الذي إذا سمِعْتَ صدْرَه عرَفْتَ قافيتَه، فإنّه لا خيرَ في كلامٍ لا يدلُّ على معناك، ولا يشير إلى مَغْزَاك، وإلى العَمود الذي إليه قصدتَ، والغرضِ الذي إليه نزَعت، فقيل له: فإنْ مَلَّ السامعُ الإطالةَ التي ذكَرْتَ أنّها حقُّ ذلك الموقِف؟ قال: إذا أعطَيْتَ كلَّ مَقامٍ حَقَّه، وقمتَ بالذي يجب من سياسة ذلك المقام، وأرضيْتَ من يعرف حقوقَ الكلام، فلا تهتمَّ لما فاتَكَ من رضا الحاسد والعدُوّ؛ فإنّه لا يرضيهما شيء، وأمّا الجاهلُ فلستَ منه وليس منك، ورضَا جميع النَّاس شيءٌ لا تنالُه، وقد كان يُقال: رضا النَّاس شيءٌ لا يُنال. المتنبي: رِضـــاكَ رِضـــايَ الّـذي أُوثِــرُ وَسِـــرُّكَ ســـِـرّي فَمــا أُظْهـــِرُ كَفـَــتْكَ المُــرُوءَةُ مـــا تَتّقــي وَآمَــنَكَ الـــوُدُّ مــَـــا تَحــْــذَرُ وَسِـــرُّكُـمُ في الحَشــَــا مـَـيّتٌ إذا أُنْشِـــرَ السّـــرُّ لا يُنْشَــــــرُ كــَأنّي عَصـــَتْ مُقْــلَتي فيكُـمُ وَكـَــاتَمَــتِ القـَـلْبَ مَا تُبْصـــِرُ وَإفْشـَــاءُ مــَا أنــَا مُـسْــتَوْدَعٌ مِــنَ الغَــدْرِ وَالحُـــرُّ لا يَغــــدُرُ إذا مَا قَــــدَرْتُ عـَلى نَطْقـــَـةٍ فـــإنّي عَـلى تَرْكِــــها أقْــــــدَرُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae