لا أعتقد أن هناك هاتفاً نقالاً ليس فيه خاصيتا الرنين الصامت والهزاز، ورغم ذلك يصرّ الأغلبية من مختلف شرائح الناس على أن يسمعونا نغماتهم الخاصة في عز جلسات مؤتمر أو محاضرة أو في مجلس وقور، فتسمع هاتفاً يصهل، وآخر عاملاً فضيحة، وآخر أشبه بالحريقة، تكون جالساً في قاعة السينما المظلمة والباردة ومشدوداً لأحداث الفيلم الأجنبي، وفجأة تسمع هاتفاً يغني “أتصلي بي تسلم عيونك” أو “مذهلة” أو صوت السديس، طبعاً النقال الأول يعود لمشاهد نرويجي، والثاني لجاره من السويد، حاضر السينما ويلاعب نقاله!
أما النغمات التي من نوع “شعللها.. شعللها.. ولعها.. ولعها” فيمكن أن تسمعها في محطات البترول، أما في المسجد فأمر عادي أن تسمع جورج وسوف واليسا داخل صحن المسجد، أو تكون ذاهباً في جنازة لكي تصلوا على الفقيد، وتسمع نغماً من نقال أحد المشيعين” يا غايب تعالى، بعادك استحالة، يا مخلوق عشاني”!
? ليس أثقل من بائعي العطور والكريمات وأدوات المكياج، تدخل الحرمة عندهم لتشتري “غرشة” فتظهر و”الغراش” تختض في يديها بألوان وأشكال، يظل أبو لسان رطب يمدح لها خدها البراق، ونعومته وصفاء بشرتها، وهي تهيل من العلب والأقلام والمضارب، هذا للنهار، وهذا حق عقب القايلة، وهذا بعد ما تفسخ البرقع والحياء، و هذا ليطرّي “المساميت وينئيها”، وهذا “ماسك” ليشد الوجه حتى صلاة الفجر، ونعومي كامبل ما مصدقة، هات من هذا، وحط هذا، وكله طبيعي، حتى عرض عليها “روج” يبرز الشفايف وينفخها، حينها أوقفته وقالت له:”خلّ عنك يا مسوّد الوجه، ما شيء براطم أكبر من جذا عاد”!
?“يا سعادة المليونير” هكذا صرخ جمعة قائلاً: “إن هذا اللقب، وتلك الجملة، كانت السبب في إفلاسه، وغلق محلاته، وهروب بهنسي ببقية الأموال، لكن هل تصدقون، ومالكم عليّ يمين، أنني كنت في غاية الفرح حين كنت أسمعها من بهنسي، وهو يقدمني للناس، وهو يستقبلني بها أو يودعني، صحيح أنني كنت أدفع ضريبة هذا اللقب غالياً في كل مكان، وفي كل شيء، لكن الشعور بالزهو والرفعة، والأمل الكاذب، ورؤية بريق عيون الآخرين، لا يعدله شيء!
? ليس أثقل من ندوة أو محاضرة بعد الغداء مباشرة، من تلك التي تأتيك في حوالي الساعة الثالثة زوالاً بالتوقيت المحلي، فما أن يبدأ المحاضر بقوله: أعتقد أن كل موضوع له سلبياته وإيجابياته - تلك العبارة التي تسبب لي حكاً في قمة الرأس- حتى ترى عيون بعض الناس تتثاءب ببطء، خاصة حينما يضرب المكيف البارد رقابهم التي سرعان ما ستشاهدها تسقط على الكتف مع انتباهة متكاسلة، ومرات توقظ بعضهم نخرة مفاجئة، وبعضهم تظل جفونه تتراخى، وهو يقاوم دون هواده، حتى تطبق العينان ذاهباً في الأحلام، والمحاضر يطحن نفسه: أعتقد، وبدون شك، والأمر يحتاج لدراسة متأنية..!



amood8@yahoo.com