يستفزك شخص شواربه تجر عربة محملة بالأثقال والأحمال، ويدخل مجلساً يؤمه القريب والغريب، فيجلس في زاوية قصية، وينكفئ على نفسه، وينكب في قراءة ما يجيش في خاطر البلاك بيري، فأحياناً يبتسم وأحياناً يضحك بجلجلة، وأحياناً يعقد حاجبيه، ويمد بوزه ويحك صدغه بسبابته، والمحيطون به ينظرون ويتبصرون ولا يتدبرون أمر هذا الكائن المتفجر ورماً نفسياً إلى حد الانتعاش الذاتي كونه يملك جهازاً، يزف له الأخبار والأسرار، وما تبوحه الأطيار من تغاريد، ما أنزل الله بها من سلطان ... البلاك بيري جهاز إلكتروني رائع وغني بالمعلومات، يدخلك في عوالم مدهشة، ومفيدة جداً، ولكن البعض سخَّر هذا الجهاز لجلب المسرة الذاتية، عن طريق النكات المضحكة، والمقالب والصرعات الشبابية، بعضها لبيب وبعضها صبيب من التفاهات والسلوكيات التي لا تليق، بل تحيق بالسلوك الإنساني أسوأ الضرر.
عزلة البلاك بيري، خلقت ثقافة جديدة، وصاغت سلوك الكثيرين، صياغة وارت الثقافة الحقيقية تراب النسيان والتجاهل، وأصبح الناس يسيرون في الطرقات والمولات والأماكن العامة مطأطئين رؤوسهم، ويكاد الواحد منهم يرتطم بالآخر وقد لا يقول للمتضرر حتى كلمة «آسف» لأنه لا يملك الوقت، ولأنه مشغول بنكتة ولا يريد أن يخسر اللحظة المذهلة.
وتحت جنح هذه الثقافة الباهتة، نحن نخسر أنفسنا ونفقد حياة اجتماعية، هي الأجمل والأروع، ولكن البعض فكر بالجديد وكل جديد إذا لم نستخدمه استخداماً سليماً قد يكون له البأس الشديد الذي يحطم قيماً ويدمر شيماً، ويشوه أحلاماً، ويدخل الناس في أنفاق مظلمة معتمة، مسقمة، مدلهمة، حتى لا يعرف الابن أباه، والبنت أمها، والصديق صديقه.
الاستمرار في مثل هذه القيم العجفاء، يحتل مكاناً واسعاً في النفس فيصيبها بالجفاف العاصف المميت، هذا الجهاز سلاح ذو حدين، إذا لم نع فوائده، فإننا نحطم الثوابت، ونعمم ثقافة الإجحاف والاستخفاف والالتفاف على ثقافة حتى خنقها، ثم قبرها في نواح مبهمة وغامضة.
والآن المسألة لا تخص الشباب فحسب، بل إن طوفان العزلة، أطاح نفوس رجال ونساء، ينتظر منهم الأخذ بزمام التربية، وترتيب مشاعر الأبناء على انتهاك السلوك السليم، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وإذا كان الكبار ينتحلون صفات الصغار، والصغار ينتعلون تراب الاستهتار، فإنه على الثقافة ذات القيم العالية، والشيم الرفيعة السلام.
نقول الفلسفة .. العلم يبدأ بالأفكار الجميلة وينتهي بالقاذورات، فعلينا أن نتمسك بجمال الفكر وكمال البصر وألا ننهي جهود العلم، إلى مساحات جرداء، شعواء، بيداء، سوداء، لا فيها ضرع المعرفة ولا زرع الحياة.



Uae88999@gmail.com