يقال إن التاريخ يعيد نفسه وإن كان بأشكال مختلفة، وأجد في العودة إلى التاريخ دروساً مفيدة لنا، وليس هرباً من الواقع الذي نعيشه، بل لاستنهاض الهمم وشحذها بالأمل للنهوض من الكبوة، ومن لا يقرأ ويستقرئ التاريخ لا يستطيع أن يرى المستقبل، ليس وقوفاً على الأطلال، إنما عودة إلى الماضي ووقوف بعقل منفتح على المستقبل. إن كنا كعرب نفخر بماض مشرق، وحضارة يعيش على إنجازاتها العالم اليوم فإن في مقدمة ما نفخر به ذلك التراث الشعري الذي يفوق فعلياً كل التراث الشعري العالمي، مما يدل على حس الإنسان العربي المرهف منذ الأزل فالشعر إحساس قبل كل شيء. لم ينفصم الشعراء منذ الجاهلية عن قضايا مجتمعهم، حيث واكبوا أحداث عصرهم، وكانوا ناطقين رسميين باسم مجتمعهم، وأعضاء فاعلين فيه، وإن كان البعض منهم قد جعل الشعر وسيلة للتكسب بالمدح، الذي يوصف بعضه بالمدح المنافق، أو المجامل، أو المحابي، إلا أن البعض الآخر تأثر بما يحدث في المجتمع من أحداث، من حروب دامية دارت بسبب عصبيات جاهلية، شتت شمل العرب، وبددت نتاج أخلاقيات سامية تمتعوا بها حتى قبل الإسلام، من الكرم ونجدة الملهوف، والمروءة، فتصدوا للنعرات التي كانت تثار بينهم، ونبذوا الفُرقة والتفرق، ودعوا إلى الوحدة فيما بينهم، فجعلوا شعرهم بلسماً للجراح، فمدحوا القيم النبيلة في ممدوحيهم، ولم ينافقوا كما غيرهم.. قامت حرب دامية بين قبيلتي ذبيان وعبس، عرفت بحرب داحس والغبراء، وقد عاش زهير بن أبي سلمى أحداثها، ورأى وشاهد ما خلفته هذه الحروب من يتم وهلاك وعذاب وفقر، مما ترك أبعد الأثر في نفسه، ليضيف إلى شعوره باليتم والغربة شعوراً آخر بعدم الاستقرار والأسف للسفه والطيش والدم المسفوك، وكان زهير بحكمته وشعره الحكيم، ناطقاً إعلامياً باسم الساعين أو الساعيين للصلح بين المتقاتلين. يدعو زهير في معلقته إلى تجنب الحروب التي لا تنتج إلى الموت والدمار، ويبدو في حِكمه الرشيدة مصلحاً اجتماعياً وحكيماً رصيناً متعقلاً، الأمر الذي دفع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الإعجاب بآرائه الحكيمة، ففضله بها على سائر شعراء الجاهلية، إذ قال فيه: “أشعر الشعراء صاحب مَن ومَن ومَن”. وَمَن لا يُصــانِع في أُمــورٍ كَــثيـرَةٍ يُضــَــرَّس بأنيـــاب وَيوطَـأ بِمَنسِـــمِ وَمَن يَـكُ ذا فضـلٍ فَيَبخَــل بِفَضـلِهِ عَلى قَومِــــهِ يُســــتَغنَ عـَنهُ وَيُذمَـــمِ وَمَن يَجعَلِ المَعروفَ مِن دونِ عِرضِهِ يَفــِـــرهُ وَمَن لا يَتَّــقِ الشَــتمَ يُشـــتَمِ وَمَن هــــابَ أســبابَ المَنِيَّـةِ يَلقَها وإن يــرق أســـبابَ السَـــماءِ بِسُــلَّمِ وَمَن يَغـتَرِب يَحسِـب عَـدُوّاً صَديقَهُ وَمــــَن لا يُكَــــرِّم نَفســــَهُ لا يُكـــَرَّمِ Esmaiel.Hasan@admedia.ae