«من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم».. هذه المقولة الشهيرة تحققت عبر مواقف عدة في حياتي المتواضعة، والسبب «حارة الجاهلي»، فمنطقة الجاهلي التي ولدت بها كانت العلامة الفارقة بكل المقاييس، فبالرغم من أن البيوت كانت صغيرة إلا أن القلوب التي سكنتها كانت كبيرة. وقد وقع في حب الجاهلي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد الأول، ففي عام 1891 شرع المغفور له في بناء قلعة الجاهلي أكبر القلاع في مدينة العين، وأفضل نموذج لفن العمارة العسكرية المحلية والتي انتهى من بنائها عام 1898. ومن أجمل معالم الجاهلي «متحف قصر العين»، الذي سكنه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كما أن قصر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وعلى غرار رموز التاريخ الإماراتي، فقد تم تشييده شمال حديقة الجاهلي الغناء. أما شعبية الجاهلي الشهيرة والتي شيد بها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان أوائل المساكن الشعبية، فيعود عمرها الى أكثر من خمسين عاما، ولا تزال قائمة ويقطنها أهلها المعروفون بالأصالة والطيبة إلى يومنا هذا. ففي أي مناسبة ألتقي فيها أحد سكانها أخفي دمعة الغصة على تلك الأيام، ونترحم على المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، والذي حرص على الاهتمام بالمنطقة وأبنائها الذين عملوا جميعهم بخدمته وخدمة أبنائه. وبعد مرور كل تلك السنين عملت على تصوير فيلم وثائقي يروي مدى ترابط أهل المنطقة بقادتهم الذين كسروا جميع الحواجز بين الشعب والقادة، فعملت على الإعداد للفيلم مع مجموعة من الأجانب، ومن خلال تجولنا في مناطق مختلفة من مدينة العين، انبهر الجميع بمنطقة الجاهلي وبدأنا العمل على عدد من المقابلات مع سكانها، فلم نجد سوى بعض الوافدين الذين سكنوا الجاهلي لأكثر من 45 عاماً، ولا زالوا يتذكرون المناسبات الكثيرة التي التقوا فيها المغفور له وأبناءه، ولا زالوا يدعون لهم بكل الخير، ومن بين هؤلاء صاحب بقالة دار الزين «عباس»، الذي أتذكره وأنا طفل صغير وأتذكر حادثة الخمسين درهما والتي أعطاني إياها جدي كـ«عيدية» في العيد، وأيامها كانت بقالة دار الزين أشهر من «دبي مول» فطلبت من عباس أن يكسر الخمسين درهما الى عِشور حتى يتسنى لي التباهي أمام أصدقائي لأثبت لهم أني قمت بجمع «عيديات» أكثر منهم، وكان عباس أيامها يتصف بالشدة والعند فقام بشق الخمسين درهما إلى نصفين، وقال لي خذ الكسر وطردني من المحل وهو يضحك علي، وحول فرحتي بالعيد الى حزن لازمني فترة طويلة، فحولت بعدها مشترياتي إلى «مول» إبراهيم الهندي، بالرغم من أن بقالته كانت أصغر، ولكن بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما وأثناء تصويري بالجاهلي التقيت عباس، وتبين لي أن الجاهلي غيرته من رجل غليظ الملامح إلى رجل رقيق يبكي كلما يتذكر أهل الحارة الذين عاشرهم وتطبع بأطباعهم فتحول الى رجل كريم، ولم يسمح لنا بأن نغادر دكانه خاليي الأيدي فقدم العصائر للجميع إلى أن وصل لأحد أعضاء الفريق فسأله عباس بكل حدة: أنت أميركي «يو أميركان»، وبكل خوف أجابه صاحبنا «يس»، فصرخ عباس على ابنه: «هذا أميركي خو جيب كوكولا»... uae2005_2005@hotmail.com?