كنت وما زلت ممنونة كوني من أبناء الجيل الذي عاصر ماذا يعني أن يكون في منزلك جهاز ضخم يركض جميع من يسمع رنينه على أمل أن يسبق الآخرين ويرفع السماعة فقط ليقول: ألووو. وأن تكون من ذلك الجيل، وأن تكون ما زلت على قيد الحياة، فهذا يعني أن تكون أيضا من المحظوظين الذين عرفوا ماذا تعني القنوات الفضائية التي تجعلك تشاهد ما يراه غيرك في بلد آخر يبعد عنك مسافة السفر بالطائرة لوقت يزيد على نصف يوم، وما طرأ بعدها من دخول وانتشار الشبكة الدولية التي مكنتنا من أدوات تواصل اجتماعي قربت الأمور إلى أقصى الحدود اللاصقة بالآخرين، وليس فقط محيطهم. وكوني محظوظة لا يعود لكوني امتلكت هذه الأدوات، وإنما لأني عايشت هذه التغيرات التي طرأت على السلوك الإنساني، والطريقة التي أستقبل بها البشر هذه الأدوات.
ولأني كذلك، فقد أخذت عهدا على نفسي أن لا أتردد في دخول أي عالم من هذه العوالم الجديدة، وأن افتح حسابا وأشارك، وأحاول قدر استطاعتي أن أكون فعالة بما يتناسب مع طبيعتي وما أميل إليه، ولأني على قناعة أن الحياة قصيرة، وأن الإعراض عن أي طريق جديد ومتوافر (مجانا) للمعرفة والعلم يعد عدم احترام لهذه الحياة، وسفها في تقدير نعم الله؛ لم أتردد للحظة أن أفتح حسابا في برنامج (كييك) ما أن حدثني عنه أحد الأصدقاء الذين أتابعهم على تويتر. المثير بالفعل أن حديث هذا الصديق بدأ باستهجانه لعدم تطرق أحد من الكتاب لمسوءات هذا البرنامج رغم الضجيج الذي أحدثه والحملة التي يقودها البعض للدفع بحجبه. وحتى لحظة هذا الحديث لم أكن قد سمعت عن البرنامج إطلاقا، ووقتها فقط بدأت البحث الذي رافقه التسجيل والدخول والإبحار، لأكتشف عالم آخر جديداً.
“كييك” برنامج تواصل اجتماعي يشبه تماما برنامج “انستجرام” الذي يعرض فيه المشاركون صورهم، بينما “كيك” يتشارك فيه الناس مقاطع فيديو لا تزيد مدتها عن 36 ثانية، وهو أقرب ليوتيوب اجتماعي على طريقة تويتر، ففيه متابعون ومتابعة، ولكنه يوفر ميزات الفلتر وتحديد البلد الذي ترغب في الحصول على أخر فيديوهات تم بثها فيه. بدأ البرنامج في مارس العام الماضي، وأخذ طريقه لعالمنا العربي منذ شهرين فقط. واسم البرنامج (KEEK) من كلمة KIKEN والتي تعني بالإنجليزية شاهد؛ وقد أسسه مواطن كندي من ولاية أونتاري، يقول أن هدفه هو جعل المجتمعات ترى بعضها معاينة. وبالفعل هذا ما نصنعه نحن بـ(كييك)، نقدم للآخرين أنفسنا، نجعل الآخرين يعاينوننا، فكيف تريدهم أن يعاينوك؟! من جديد، ودوما سأقول، نحن من علينا أن نحرك هذه الأدوات، لا أن نتركها تحركنا. علينا أن نتواجد ونفرض رؤانا أمام الأجيال التي تدخل وهي غير مدركة أهمية الأدوات التي تملكها، وغير مستوعبة لإمكاناتها، علينا أن نقدم أنفسنا كمجتمعات لها تفاصيلها الجميلة للآخرين الذين لا يعرفوننا. لماذا نحارب هذه الأدوات ونطالب بمقاطعتها وحجبها؟؟ لماذا نتركها مرتعا للذين لا يجيدون تقديم أنفسهم إلا بالشكل السيئ الفاسد والمبتذل!.


als.almenhaly@admedia.ae