أتابع أحياناً أفلام الخيال العلمي، رغبة في متابعة ومراقبة ما يحرص الأبناء على متابعته بشغف، وإن كنت في كثير من الأحيان لا أقدر على الاستمرار في لعب دور الرقيب، فسرعان ما أتحول إلى متفاعل بكل حب وطيب. بلا شك إن أفلام الخيال العلمي هي اختراع أميركي غربي محض، ولكن للعرب باعاً طويلاً وسبقاً في روايات الخيال العلمي، بل والفلسفي، ولكن المشكلة هي أنها لم تترجم إلى أعمال فنية. فرواية "حي بن يقظان" مثلاً لأبي بكر بن طفيل المولود في العقد الأول من القرن الثاني عشر في غرناطة بالأندلس، رواية فلسفية رمزية، شائقة، كثير من الأعمال الفنية من أفلام سينمائية وتلفزيونية قد استوحى من هذه الرواية أفكاراً، خاصة أن الرواية قد ترجمت إلى الإنجليزية والهولندية والألمانية والإسبانية والفرنسية، وأذكر منها مسلسلاً تلفزيونياً أجنبياً اسمه "لوكان" يتحدث عن طفل تربى مع الذئاب. يُذكر أن ابن طفيل ترك عدداً من الكتب في الطب والفلسفة إلا أن مؤلفه الفلسفي الوحيد الذي وصلنا هو كتاب "حي بن يقظان" وهو رواية فلسفية رمزية، وكان أول من لفت إلى أهمية هذا الكتاب المستعرب البريطاني بوكوك. حاول ابن طفيل في هذه الرواية أن يثبت أن المتوحد، متى أدرك الحقيقة بواسطة العقل يستطيع أن يتبين سر الاتفاق بين الفلسفة والعقيدة، ويذكر في تمهيده للقصة أن غرضه من الرواية هو عرض "الحكمة المشرقية" التي يعيدها إلى الصوفية. تدور أحداث "حي بن يقظان" في جزيرة نائية تقع في المحيط الهندي، ويلعب الدور الرئيس فيها الطفل "حي" الذي ولد في الجزيرة تلقائياً من غير أب وأم فتعهدته ظبية فقدت طلاها وأرضعته حتى اشتد عوده وأصبح قادراً على مجاراة البهائم في عدوها. ومع أنه عاش عيشة البهائم فإنه لاحظ خلو جلده من الوبر وأنه من دون قرون وأنياب. ولما بلغ السابعة اتخذ لنفسه رداءً من أوراق الشجر وجلود الحيوانات. ولما ماتت الظبية التي تعهدته وأرضعته حزن عليها حزناً عميقاً وأخذ يفكر في سر الحياة والموت، وبدا له على أثر عملية تشريح بدائية أن سبب الموت هو عطل يلحق بالقلب فيؤدي إلى خروج الروح منه ، لكنه لاحظ أن الموت لا يقترن بأي خلل جسدي فاستنتج أن الموت يأتي نتيجة انحلال العلاقة بين الروح والجسد. وهكذا اكتشف حي بن يقظان طبيعة الحياة. أسامة بن منقذ: ظبيٌّ تغارُ الشمسُ من حُسنه مــاء الحيا من خدّه يقطرُ مبتسمٌ عن جــــــــــوهرٍ رائعٍ يفوحُ منهُ المسكُ والعنبرُ إذا مشى أخجــــلَ سمرَ القنا وحـــار فيه عقلُ من ينظرُ ما فيه من عَيبٍ سوَى أنَــــّه إذا أَردْنَا وصلَـــــــه يَهجُرُ Esmaiel.Hasan@admedia.ae