لا يمكن لطالب علم أن يتشرب الهوية الوطنية من ضباب في الهواء الطلق، وهو يدرس في مناهجه عن تفاصيل العالم الآخر ومفاصلة وفواصله.. ولا يمكن لطالب علم أن يحدد موقعه من الخريطة، ويعرف أين تنغرس قدماه، وهو ينظر إلى الأعلى، ويحملق في خريطة العالم، ويقرأ التضاريس، وخطوط الطول والعرض، ولا يجد ما يشبع فطرته ومعرفة الأشياء الصغيرة والكبيرة على ثوب الوطن الذي ولد على ترابه، وترعرعت مشاعره بين جباله وهضابه وبحاره.
لا يمكن لطالب علم أن يحمل كتبه المدرسية التي تثقل كاهله وهو لا يقرأ في بطونها ما يمت بصلة للوطن وأهله وتاريخه وعلاقات الناس فيه، وتقاليده وعاداته وأعراقه. وفي هذا الوطن ما يثري ويغري من تراث وثقافة وحضارة لو أراد القائمون على التدريس أن يستحضروها، ويضعوها بين يدي الطالب، وفي هذا الوطن ما يستحق الدراسة والفهم والاستيعاب والاحتضان، والكتب التاريخية تشرح ذلك شرحاً تفصيلياً وافياً وكافياً.
لا يمكن لطالب العلم أن يعبِّئ هذا الذهن، بأخبار الدنيا وقصص العالم من دون أن يلتفت المنهج الذي يدرسه إلى ما ينبع في تربة هذا الوطن، وللإمارات إنجازات أشبه بالمعجزات على مر التاريخ سواء في الحاضر أو الماضي، وهذا ما يجعل من الأهمية القصوى أن تكون كل تلك المعطيات بين يدي الطالب لإشعاره بالوجود الحق، ووضع عقليته في محضر الثقافة الوطنية.
وإذ نحن بصدد اللجنة المطورة للمواد الدراسية الأربع التربية الإسلامية، اللغة العربية، التربية الوطنية، الاجتماعيات، فإن الخطوة في حد ذاتها تعني وضع الخطوط العريضة لمنهج دراسي يتكامل بالمعرفة والوعي بأهمية الروح الوطنية لأي مجموعة بشرية، تعيش ضمن كيان واحد وعلى أرض واحدة، الأمر الذي يجعل من هذا المشروع الريادي، التواصل مع الهوية الوطنية لمنبع ومصب، للانتماء والالتقاء مع الوطن بروح التفاني، من أجل الحفاظ على المكتسبات، واستيعاب المنجزات كإرث حضاري، يحتاج إلى إنسان وضع الهوية الوطنية فوق كل اعتبار، وفي مقدمة الأولويات هذا المشروع هو مشروع الوطن والإنسان، مشروع الغرس بتأنٍ ووعي وحرص، والإمارات اليوم بحاجة إلى هذا النفوذ الواعي، وإلى هذه السلطة العقلية لمزيد من التحرك باتجاه الأولويات، خاصة ونحن نعيش في ظرف تاريخي استثنائي، والإمارات بمنجزها الحضاري النموذجي والمثالي تطل عليها العيون من آفاق وأحداق واسعة، لذا فإن للتعليم دوره الأساسي والمحوري في بناء الشخصية الوطنية، وإرساء خريطة الحب على كل جبين.
الإمارات اليوم، وهي تتخطى حاجز الصوت والضوء في بناء الإنسان والوطن، تحتاج إلى هذا النهج الدراسي القويم المبني على هوية بلا غواية وانتماء بلا شعثاء.
الإمارات قوية الهوية بهؤلاء العشاق، وهم بعدد حبات التراب.. تراب الوطن.


marafea@emi.ae