يميل الكثيرون حولنا إلى استخدام جمل تحمل معنى الحكم الجازم المطلق في تقييمهم الأشياء، ويبدو هذا الفعل منطقياً عندما يقوم به الأفراد الذين لديهم معطيات كافية حول الأمور التي يبدون آراءهم وأحكامهم حولها؛ وعلى النقيض تماما من المنطق بل وأقرب للعبث عندما يصر أحد على رأي يفتقد فيه لأي خلفية معرفية أو معطيات علمية حوله، والأكثر مرارة عندما يصر بعض هؤلاء على إعلان رأيهم وفرض أحكامهم كواقع على الجميع ترتيب أمورهم فيما بعد على حكمه!! المثير فعلا أن الكثير من الأفراد المحسوبين على النخب الثقافية أو الأكاديمية يميلون إلى هذا النوع في التعبير عن رؤاهم حول الأشياء بطريقة تجعلنا نستمع إلى أحكام وليس رؤى أو تصورات؛ وكأن خلفياتهم المعرفية حول أمور ما يبرر لهم الحكم على كل ما هو في الحياة! في اللغة العربية الكثير من المفردات التي تصنِف ما ننطق به، وتجعل المتلقي يفرزه بسهولة فلا يختلط عليه الأمر بين التصور أو الحقيقة، وفي حالتنا السابقة هناك كلمات كثيرة سيكون المحسوبون على الفئة التي تميل إلى طرح الرؤى والتصورات استخدامها أثناء طرح قناعاتهم التي هي رؤى وتصورات يميلون إلى اعتبارها حقائق ولكنها ليست حقائق، وذلك لأسباب كثيرة، منها على سبيل المثال أن استخدام الكلمات المناسبة سيجعل من أطروحاتهم أفكارا قابلة للبحث والتحري من قبل الآخرين، وبالتالي البناء عليها؛ وثانيا -وهذا مهم بالنسبة لهم على الصعيد الشخصي- ليبقى لهم جانب من الثقة التي سيفقدونها عندما تؤكد الحقائق والواقع العملي أن أحكامهم كانت خاطئة. ولأن الحديث بالحديث يذكر، فقد ظُلمت اللغة العربية كثيرا من قِبل ابنائها المتشدقين بها، كأن يخرج لك أحدهم -وقد امتلك زمام الحديث عبر منبر ثقافي أو حتى اجتماعي- بالقول: اللغة العربية أفضل لغة نطق بها لسان آدمي، وأنها أكثر لغات العالم ثراء وقدرة على التعبير و.. وذلك في معرض حديث له عن اهمية اللغة في الحفاظ على الهوية على سبيل المثال، أو في التصدي لغزو اللغة الإنجليزية في حوارات الأجيال الصاعدة!. بالتأكيد اللغة وعاء الهوية والاستهانة بها له أضرار على كافة المستويات إبتداءً من النفسية على الصعيد الشخصي وليس انتهاء بالأمنية على الصعيد الوطني، ولكن كل اللغات هي أوعية لهويات أبنائها، وفي كل مكان في العالم يكون التهاون باللغة آثارا على مستويات عدة، غير أن مقارنة لغتك بلغات الآخرين من حيث الثراء والعطاء والقوة هو رأي عاطفي عنصري، لا يمكن اعتباره حكماً علمياً وعملياً. على الصعيد العلمي، تبدو الكارثة الكبرى عندما يأتيك هذا الرأي من أشخاص لا يجيدون لغة غير التي أطلقوا بها تصريحهم ذلك، وإن أجادوها تحدثا غير أنهم لم يقرأوا في آدابها وعلومها، وبالتأكيد لا يكتبون بلغة أخرى؛ وعلى هذا الأساس يبدو الجهل بما يملكه الآخر (المجهول) سببا لهذا الرأي الذي يتحول لحكم. أما على الصعيد العملي، فالمطلع على تطور اللغة والأدب العربي، لا يمكن أن ينكر أن للآداب الواردة بلغات مختلفة ثأثيرا مباشرا في تطوير لغة وأسلوب الإنتاج الأدبي العربي الأصيل. فالكُتاب الذين يقرأون بلغات أخرى إضافة إلى لغتهم الأم يكتبون بأسلوب لا يشبهون فيه غيرهم ممن لم يقرأوا بغير لغتهم. als.almenhaly@admedia.ae