يعتاد الإنسان الأشياء. فيعتاد بيته، ويعتاد سيارته، ويعتاد وظيفته، ويعتاد الشمس، ويعتاد الهواء، ويعتاد الطعام على المائدة، ويعتاد أن يترك باب بيته مفتوحاً ويذهب لينام. ويعتاد أن يذهب إلى المدرسة وإلى الجامعة، ويعتاد إذا مرض أن يذهب إلى مستشفى فيلقى الرعاية ويعتاد إذا لم يعجبه شيء أن يشتكي وأن تُسمع شكواه. يعتاد الإنسان كل ذلك، ومع الاعتياد يصبح الأمر بدهياً فلا يفكر في قيمته. ويظنه يحصل في كل مكان ببساطة. ويظن وطنه يشبه أي وطن. ينسى أن هناك أناساً لا يجدون من الدنيا ما يسترون به عورة وجودهم ويسدّون به رمق أرواحهم وأن لفظة “وطن” بالنسبة لهم ما هي إلا مرادف آخر للقهر والضياع. عندما صارت ثورات الربيع العربي، رحنا نتساءل لماذا يثور هؤلاء الناس، كيف يخرجون وهم يعرفون أنهم قد يقتلون، كيف تهون عليهم الحياة والشمس والهواء، فنعرف أنهم بلا حياة في بلدان استحوذت فيها القلّة على ثروة البلد وأوشكت أن تسرق حتى الشمس من كبد السماء ولو استطاعت تستولي على الهواء. فندرك أن وراء حصولنا في الإمارات على مسكن وعلم وعمل وعلاج - وهي أساسيات الحفاظ على الكرامة الإنسانية - إدارة حكومية واعية تتمتع بالأخلاق والإنسانية، وأننا نحيا بأمان؛ لأن لدينا جهازاً أمنياً مهمته حمايتنا لا قمعنا. حين تحدث الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عن أجندات خارجية تستهدف هذا البلد، تساءلت هل قد تجد هذه الأجندات أي صدى هنا؟! في معرض أبوظبي للكتاب قبل عام التقيت صحفية نرويجية كان الربيع العربي في بدايته، سألتني مباشرة “وأنتم في الإمارات، هل ستثورون على قيادتكم؟”. ضحكت من سؤالها، ثم قلت “ولكن لماذا؟! لو حصلوا على مثل حكامنا لعاشوا في ربيع دائم ولما احتاجوا سكب دمهم للحصول على ربيع”. أخذت تُحدق فيّ ثم تساءلت “هل تقولين هذا عن خوف؟”، فأجبتها مباشرة وأنا أُحدق في عينيها “لا عزيزتي، أقوله عن حب وقناعة”. ربما يحتاج العالم أن يعرف كيف يمكن أن يحب شعبٌ قيادته بصدق ودون تزلف. في الإمارات، نحصل على حقوقنا كمواطنين دون أن نطالب بها. وإذا سافرنا إلى أي مكان في العالم، فنحن محترمون ما إن نُظهر جواز السفر؛ لا يتم تفتيشنا باشتباه، لا نخشى إذا تقدمنا بطلب فيزا لأي بلد أن يتم رفضها، وهذا لم يأت من عبث، بل نتيجة جهود دبلوماسية جبارة أثمرت عن ثقة العالم في هذا البلد ومن يحمل جنسيته. الإمارات دولة حديثة النشأة، رغم ذلك حجزت لنفسها ولنا مكانة على خريطة العالم المتحضر، وليس بالمال وحده أمكن حدوث ذلك، فدولٌ كثيرة غنية لكن يعاني شعوبها الفاقة وهدر الكرامة، لكن بالإدارة الحكيمة وبالإنسانية التي يتمتع بها قادة هذا البلد، ولن تفلح أي أجندة خارجية أياً كانت في زعزعة مقدار المحبة التي نكنّها لهؤلاء الرجال الكرام الذين يحكمون بلدنا؛ لأنهم منحونا بلداً آمناً محترماً مزدهراً في منطقة تعجّ بأهوالٍ كثيرة على الدوام، وهذه هي عظمة الحُكم بإنسانية. Mariam_alsaedi@hotmail.com