على الشاطئ الآخر هناك من يجلس وحيدا، ليس لديه إلا ذكرى مليئة بأصوات من أحبهم وعاش معهم، على هذا الشاطئ يعلو صوت الموج، وينحسر العالم بأكمله. هكذا يحتفل بعضنا بذكرى الأم والأب، على الشاطئ الآخر البعيد على شواطئنا التي تعج بالحياة، يجلس على ذلك الشاطئ ليس انسحاباً من عالمنا ولكن متأملاً في هذا العالم، وقد يكون جلوسه هذا محاولة لتواصل مع كل من رحلوا عنه من الأحباب وخصوصاً الأبوان، الأم والأب، هذه الرحمة الإلهية التي وهبنا الله عز وجل، ويجهل قيمتهما الكثيرون. قالت لي جدتي “مازلت أحن لحضن أمي وأبي”، رغم أن أبناءها وأحفادها حولها لكن هذا لم يلغي حاجتها إلى تلك الأحضان الدافئة دوما، والصادقة والنقية، الأبوان دائما هما الأمان والملجأ والحنان حتى وإن لم تبق إلا ذكراهم ففيها أيضا نستشعر الدفء، أولم يقل محمود درويش “أحن إلى خبز أمي ..وقهوة أمي..ولمسة أمي.. وتكبر فيّ الطفولة ?يوماً على صدر يومِ..أعشق عمري لأني..إذا متُّ ..أخجل من دمع أمي!”. تحت ظل أم وأب نحيا ونسعد، حتى في شقنا نسعد، وكيف لا وبهم نخطو خطواتنا الأولى نحو الحياة، هم ولا أحد غيرهم يدرك الألم الذي بنا هم من يدركوا صمتنا ويفرحوا بتأتأتنا، كل كلامنا له معنى لديهم كل نفس لنا هو نبض لحياتهم يحيون معنا ونحيا مع أنفسنا. لفتت انتباهي إحدى الأخوات على “ماسنجر”، تقوم يومياً بإرسال دعاء لوالدها سألت لإحدى معارفها منذ متى توفي والدها قالت لي “من سنتين أو أكثر”. ومنذ ثلاثة أسابيع تقريباً كنت في عزاء لوالد إحدى صديقاتي المقربات جلست أنظر لها وأنا على يقين بأننا مهما واسيناها فلن نستطيع أن نحمل أي جزء من ألمها، كانت جالسة وهي تتحدث عن أشياء كثيرة تخفي ألمها، تماما كما فعلت إحدى صديقاتنا عندما توفيت والدتها منذ بضعة أشهر حاولت أن تتماسك وترحب بنا ولكن دموعها أبت أن ترضخ لإرادتها، وأخرى رغم مرور السنوات الطويلة على وفاة والدها مازالت تبحث عنه في ذاكرتها. أسأل الله أن يصبر كل من فقد غال وخصوصا الأم أو الأب أو الابن أو الأخ. عدت إلى الشاطئ الذي أجلس عليه، وأصوات الناس من حولي تتردد في ذكرى يوم الأم، عدت من ذلك الشاطئ أحمد الله على وجود أمي وأبي وأسأله أن يمد في عمرهما، وجميع الآباء والأمهات، وأن يساعدنا على برهما وإسعادهما اللهم آمين. ameena.awadh@admedia.ae