لا أحد بإمكانه أن ينفي أننا في الإمارات نعاني مشكلة بطالة بين الخريجين الإماراتيين، وحتى الذين ليسوا من فئة الخريجين. الإشكالية في هذا الموضوع تكمن في أمرين: في الرقم المعلن والذي يتم تداوله إعلامياً، وهو أبعد ما يكون عن الدقة، حيث تم تضخيم الرقم بحسن نية لأن هناك من لا يتثبت من الأرقام، وهناك من يخلط بين المفاهيم، وهناك من لا يعرف الطريق الأقصر للرقم الدقيق، لكن بلا شك هناك عاطلون تماماً عن العمل، وهم الذين يمتلكون مؤهلات علمية على درجات متفاوتة، لكنهم لم يلتحقوا بسوق العمل نهائياً، وهناك من يتقدم للبحث عن وظيفة أخرى بينما هو على رأس عمل ثابت لكنه غير مرض ربما لصاحبه. إذن، لدينا بطالة وأرقامها محل تجاذب إعلامي رسمي وتحتاج لمن يصححها، ويقوم بمد الإعلام بالإحصاءات الموثقة أولاً بأول، هذا أولاً، أما ثانياً، فإن من بين المواطنين الساعين للحصول على وظيفة فئة كبيرة من المتقاعدين، الذين أمضوا سنوات عمل طويلة انتهت طبيعياً بالتقاعد أو غير طبيعي بالإحالة القسرية للتقاعد أو بالضغط على الموظف بشكل مباشر أو غير مباشر ليتقدم للتقاعد، هذه مسألة يعرفها كل الذين خاضوا غمار العمل في مؤسسات بيروقراطية، عملت بقصد أو بغير قصد على التخلص من كوادر شابة كان من الممكن الاستفادة منهم بشكل أكثر نفعاً للمجتمع لو وجدت إدارات توظيف واستثمار مؤهلة للتعامل مع الموارد البشرية في مؤسساتنا. مع ذلك، فإن التقاعد من الوظيفة الرسمية بعد مضي أكثر من عشرين عاماً، يعني امتلاك هؤلاء الأشخاص خبرة جيدة في وظائفهم التي شغلوها، ويعني أنهم دخلوا حياة اللا عمل في سن مبكرة، ذلك أن الإنسان بإمكانه أن يعمل وينتج حتى يتجاوز الستين من عمره وبحسب ظروفه الصحية والاجتماعية بطبيعة الحال، ووضع المرأة الأم والزوجة يختلف عن غيرها ما في شك في ذلك، لكن ماذا عن الذين تقاعدوا ولا حياة اجتماعية تستهلك أوقاتهم، كما أنهم لم يفلحوا في إقامة مشاريع استثمارية خاصة بهم، كيف سيقضون السنوات الطويلة المقبلة بلا عمل؟ إن أسوأ ما يمكن أن يواجه شخص اعتاد على العمل لعشرين عاماً أن يصحوا كل يوم دون أن يدري كيف سيمر يومه وماذا سيفعل؟ الشعور بأنك تنام اليوم وتصحو غداً دون أن تدري ماذا ينتظرك، وماذا ستفعل وما جدوى نهارك، شعور صعب جداً، يواجه كثيراً من المتقاعدين والمتقاعدات من الذين لا يوجد لديهم ارتباطات اجتماعية تستهلك أوقاتهم. وعليه، فإنه ليس أمام هؤلاء إلا أن تتاح لهم فرصة العمل بالقطعة أو بنظام الدوام الجزئي، ليس بهدف الحصول على مردود مالي، بقدر ما يحتاج هؤلاء إلى إحساسهم بالأهمية تجاه حركتهم في الحياة وأنه لا يزال لديهم دور يؤدونه، لأن الإنسان بمجرد وصوله لفكرة ألا دور له يدخل في الاكتئاب والمرض حسب الدراسات النفسية. هذه مهمة مؤسسات الرعاية الاجتماعية، مثل هيئة تنمية، وهيئة المعاشات والضمان الاجتماعي، حيث عليهما أن تجتهدا لإيجاد فرص عمل وبرامج استيعاب وشراكات مع مؤسسات وجهات مختلفة، حتى يتمكن هؤلاء المتقاعدون من تمضية من 4 إلى 5 ساعات ضمن الحدث اليومي بين الناس، فلا ينفصلون ولا يبتعدون ولا يصابون بالكآبة والشعور بعدم الجدوى. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com