أدركت حكمة الأجداد بعد مرور أكثر من عشرين سنة على وفاة جدتي رحمها الله، يوم طلبت أبناءها أبي وأعمامي قبل لحظات من النزع الأخير، وأوصت ما أوصت من كلام حكيم لا يقدر بثمن وكان ما توقعته بفطرتها وحكمتها. يحفل التاريخ العربي بوصايا لعقلاء خبروا الدنيا فاستخلصوا العبر للأبناء لتكون نبراساً يهتدون به، وإن كانت كلمة الوصية بحد ذاتها تأخذ بالأذهان نحو الموت، فإن وصايا الحكماء العرب زاد العقول والقلوب، وهنيئاً لمن تزود من ذاك الزاد. أوصى عمرو بن كلثوم التغلبي، فقال: يا بني إني قد بلغت من العمر ما لم يبلغ أحد من آبائي وأجدادي، ولا بد من أمر مقتبل وأن ينزل بي ما نزل بالآباء والأجداد والأمهات والأولاد، فاحفظوا عني ما أوصيكم به: إني والله ما عيّرت رجلاً قط أمراً إلا عيَّر بي مثله، إن حقاً فحقاً وإن باطلاً فباطلاً، ومن سَبّ سُب، فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لأعراضكم، وصِلوا أرحامكم تعمُر داركم، وأكرموا جاركم يحسن ثناؤكم. وزوّجوا بنات العم بني العم، فإن تعديتم بهن إلى الغرباء فلا تألوا بهن الأكفاء، وأبعدوا بيوت النساء من بيوت الرجال، فإنه أغض للبصر، ومتى كانت المعاينة واللقاء ففي ذلك داء من الأدواء، ولا خير فيمن لا يغار لغيره كما يغار لنفسه، وقل لمن انتهك حرمة لغيره إلا انتهكـت حرمته، وامنعوا القــريب من ظلم الغريب، فإنك تذل على قريبك ولا يحل بك ذل غريبك، وإذا تنازعتم في الدماء فلا يكن حقكم للقاء، فرُبّ رجل خير من ألف، وود خير من خلف، وإذا حدثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا، فإن مع الإكثار يكون الإهذار. وموت عاجل خير من ضني آجل، وما بكيت من زمان إلا دهاني بعده زمان، وربما شجاني من لم يكن أمره عناني، وما عجبت من أحدوثة إلا رأيت بعدها أعجوبة، واعلموا أن أشجع القوم العطوف، وخير الموت تحت ظلال السيوف، ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا فيمن إذا عوتب لم يعتب، ومن الناس من لا يرجى خيره ولا يخاف شره، فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من برّه. المثقب العبدي: ولَلمَــوتُ خـيرٌ للفــتى من حـياتِه إذا لم يَثِــبْ للأمـــرِ إلاّ بقـــائدِ فعالجْ جســيماتِ الأمورِ، ولا تكنْ هـــبيتَ الفـؤادِ هــمهُ للوسائدِ إذا الرِّيحُ جـاءَت بالجَهــامِ تَشــُلُّهُ هذا ليلهُ شلَّ القلاص والطَّرائدِ كفى حاجة الأضيافِ حتى يريحها على الحيِّ منَّا كــلُّ أروعَ ماجــدِ تراهُ بتفـــــريجِ الأمــــورِ ولفِّهـــا لما نــالَ منْ مـعروفها غيرَ زاهدِ وليــسَ أخــونا عند شــَرٍّ يَخـافُهُ ولا عــندَ خــــيرٍ إن رَجاهُ بواحدِ إذا قيل: منْ للمعضلاتِ؟ أجابهُ: عِظامُ اللُّهى منّا طِوالُ السَّواعدِ Esmaiel.Hasan@admedia.ae